Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


أحمــــــد معـــــــلا الحيوية المستحدثة  

 

العمل الفني بنية تعبيرية تختلف في تحققها عن مسببات وخصائص وجود هذا العمل، وبمجرد توقف الفنان عن إتمام عمله، يكون قد أعلن عن بدء مرحلة جديدة، توصف بأنها حياة العمل المستقلة المشبعة بالرموز التي لا يمكن الإحاطة بمعانيها المحددة، والتي يمكن أن يكون قد قصدها وهو يقلب الصلة بالواقع إلى صلة مجازية، يزيد من ألقها غياب هذه الصلة، أو اختفاء مختلف المرجعيات التي تؤدي إلى تصنيفه في اتجاه أو أسلوب. والمقصود بذلك أن أن حضور الفنان لايكون تاماً في عمل مستقل بذاته، قدر وجوده في التجربة مجتمعة عبر حالة الاختبار المستمرة التي تُمظهر في كل مرة مجموعة من النتائج الحاملة لرؤية وانتقائية المبدع. والتي تشكل في النهاية قراره الأخير، المتمثل بالتحديات المتبلورة على هيئة عمل فني يحتوي على العلامات والإشارات. ما يجعله متفرداً وبعيداً عن الاستنساخ الميكانيكي للرواية البصرية، أو النسق البصري المشروط بالإشارة إلى أمر محدد بعينه.
لهذا فإن اعتبار العمل الفني بنية تحمل وجهة نظر الفنان ورؤاه، يقتضي رؤية تفاصيل النسيج العام لتجربته، بكل ما تحمله من انسجامات وتضادات وصراعات وصلات، وبخاصة الانقطاعات المحتملة بين مرحلة وأخرى. والتي تمثل فراغات بصرية تهيج النقد للتفاعل مع تصورات الفنان، في ضوء الحقائق التي تشكل مادة التجربة الأساسية ومنهجها، لبناء المبصور في حالته الكونية، وليس فقط في إطار علاقته بالحيز والواقع والمعارف والقواعد الوجودية، المشكلة للرصيد الأولي لتشكيل المقاطع الخيالية، أو التصورات العامة للعالم الإبداعي، الذي يحاول الفنان أن يجعله باستمرار أكبر مما يدركه، ومتقدماً على زمنه.. إنه بالضبط ما يجعل المبدع يخالف أحياناً ما يعتقد به، وكل ما كان يوحي بأنه ثابت، أو مستقر في تجربته. وهذه المخالفة هي التي تسمح له بإعادة صياغة سطحه التصويري، وجعل الرؤية تنتقل إلى زوايا لم نكن نظن أنها موجودة صلاً. بذلك يكون بناء البنية بصياغة مختلفة مرتبط بنشاط الفنان المتفوق، وقدرته على توليد الصور التكوينية، التي يرى (سارتر) أنه لايمكن وضعها في تسلسل، بل لابد من التخلي باستمرار عن صورة ما حين يضطر المرء لإنتاج صورة جديدة. أي أن كل صورة منتجة إنما تمثل في اكتمالها إمكانية توليد صورة أشمل على المستوى الحيوي المتصل بتكوين بنية الصورة (اللوحة) المنطوية على جمالياتها الخاصة.
لكل بنية كثافتها المتولدة من استجابة الفنان لخبرته، وقدرته على التجاوز والتخلي، باتجاه متقدم على ما أنجزه. إذ يمثل البياض نهاية اللوحة لدى الفنان أحمد معلا، ولهذا لفهم معناه، فيما يمثل لدى سواه بداية جديدة. وهو ما أحاول أن أبدأ به عن فطنة ووعي الفنان، الذي يتخلى عن كل شيء لبناء العمل الجديد، المحاكي للتركيبة المعقدة التي تصل الإبداع بالمبدع من جهة، والإبداع بمتلقيه من جهة أخرى، المتلقي الذي يتوقع باستمرار ثبات صلته بما يراه، وسعيه لالتقاط التفاصيل التي تعينه على بناء تصوراته الخاصة التي تجعل للعمل الفني مهمة مزدوجة: الأولى إلغائية، والثانية نفوذية إلى بنية المنجز.. الأولى متصلة بالفنان، والأخرى تتصل بكل ما سواه، بما في ذلك العمل الفني ذاته.
ولعل الدخول إلى صلب تجربة الفنان أحمد معلا لايمكن أن يتم دون الأخذ بعين الاعتبار والأولوية هذين الأمرين بكل احتمالاتهما الدلالية، التي ترسم منجزه حتى اليوم، باعتباره تسلسلاً لأحداث بصرية اختبارية، تربطها صلات قرابة جلية على المستوى المنهجي. وكذلك في قدرته على الاستفاضة والتوليد الذاتي، الذي جعل من منتجه نموذجاً متفرداً بقي فيه الفنان الشخصية الرئيسية، التي تتمحور حولها التوظيفات المتنوعة لذاته القلقة والإشكالية، الساعية للتحرر من السجالات التي فرضها واقع الفن العربي، والتواقة دائماً لولوج مغامرات بصرية تنطوي على تحولات صريحة في تجربته، لم يكن التاريخ أولها، ولا الحاضر آخرها، لتبقى اللوحة وسيلته الأثبت في نقل أفكاره، وتجسيد ملامحها بشكل معاصر، عبر لغة فنية لا تنكر جذورها الشكلية في فضح المكبوت والزائف، وتثبيت علامات الحقيقة كأمر مرغوب ومشتهى ومطلوب على المستوى العاطفي بأقل تقدير... وسوف تشكل حماسة الفنان للاهتداء إلى تلك الحقيقة في عالم مضطرب ومرتاع ومشكك حافزاً أساسياً للتفاؤل، بالإضاءة على أكثر المفاصل إعتاماً برهافة وعمق، ووفق حس جدلي، واندفاع طليعي، مكنه من تأكيد وجهة نظره عبر المراحل التي قطعها كمجدد ومصحح لمسار تشكيلي. إذ لا يمكن اعتبار تجربته مكملة لتجارب أخرى في نفس المنحى، وإنما هي مضادة. وعلى هذا فإن أحمد لم يكن يسعى لتجاوز أمر معين قدر التأسيس، وهو الامر الذي دعاه لخرق الموقع المحصن لمفهوم الفنان أكثر من مرة في اختباراته، واضعاً نفسه في غير الموقع الذي اعتاد الفنانون أن يحصنوه، باعتبارهم مركزاً وبؤرة، كالذي كان في ورشته التجريبية "ميرو بثلاثة أبعاد" تماماً، أي كما وضع (سارتر) الفيلسوف نفسه بوضعية العوام حين جعل نفسه متحدثاً متواضعاً مع قادة الطلبة في العام 1968 حتى يتعلم منهم.
في لقاء للفنان أحمد معلا مع نجيب نصير يؤكد بأن اليقين التشكيلي مضر للغاية بالجانب الابداعي للفنان، ويضيف موضحاً فكرته: "لم أسع في أي من تجاربي لتكريس شكل تشكيلي، بل أبذل كل ما في وسعي لتكريس مفهوم تشكيلي قائم على الابداع والابتكار، فالمعرض بالنسبة إلى ليس مجموعة من الرسوم الملونة المعلقة على جدران صالة مفرغة خصيصاً لهذه المهمة، وإنما محاولة التعبير عن القدرة التي يمتلكها الإنسان، قدرة السؤال، وقدرة البحث وقدرة التجريب. كثيراً ما يسعى الجمال الذي يطغى في أحد الأعمال إلى فرض نفسه كنموذج أو نمط للعمل، وكثيراً ما ينضبط رسام أو مصور بحدود هذا النمط.. أما أنا فعندما أحس أن نموذجاً يحاول فرض نفسه، أقوم مباشرة بالخروج عنه في لوحة أخرى. فاليقين التشكيلي مضر للغاية بالجانب الإبداعي للفنان، ما يدفعني طوال الوقت لتكريس أحاسيسي ومشاعري وقدراتي على المشاهدة في عملية امتصاص مختلف أو ممكن لصورة جديدة، فتصبح العملية التشكيلية خارجة عن حدود الوظيفة إلى حدود المغامرة والاستشراف والرؤيا".
??????