Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


الفنان التشكيلي السوري أحمد معلا مقيماً معرضه في بيروت  

تحتمل لوحة الفنان التشكيلي السوري احمد المعلا تأويلات كثيرة بحيث لا يمكن للعين احتواء عمقها للوهلة الاولى. تبدو مزيجاً من الذات الانسانية، ربما يعتبر الانسان قضيته، بكل تناقضاتنه وانفعالاته.
اللغة والجسد لديه لا ينفصلان، فالحروف أضحت شخوصاً لا تحتاج الى نقاط، ويعتبر المعلا احساس المتلقي مكسباً طالما أنه قادر على الإبحار في تفاصيل اللوحة ليترجمها بحسب رؤيته، فليس المطلوب الإدراك الحرفيّ للمعنى المقصود بل أن تصبح هذه الشخوص والحروف والألوان مرآة للداخل الانساني، كلٌ ناظر الى اللوحة وفقاً لحسّه الفني حتى لو لم يكن يفقه كثيراً في تاريخ الرسم ومدارسه.
خلال تجوالنا بين ألوانه التي أضافت رونقاً فلسفياً الى مكان عرضها في بيروت (غاليري مارك هاشم، نزلة ستاركو) أبحرنا على متن الرؤيا، واختلف التفسير بين النظرة الأولى والثانية.
عن سر هذا الاختلاف سألناه فأجاب:» أقدم صورة. هذه الصورة يمكنك تحويلها الى وثيقة أيضاً طالما اعتبرتها مرجعاً وهذا المرجع خاضع للتبدّل مع الوقت وأنت قرأتها مرتين، في كل مرة قراءة مختلفة، وقد يقرأها آخر أكثر من مرة، بالتالي هذا مكسب. حتى في القراءة ثمة قراءات متنوعة، فإذا قرأت المكتوب بالأسود على الأبيض فإنها تحسب قراءة، وإذا قرأت الأبيض حوله فتلك قراءة مختلفة. في الرسم كل هذه الفرص. أما القراءات الزمنية فهي مرتبطة ببنيتنا الشخصية. ثمة تباين بين الفرح والحزن وباقي الأحاسيس الإنسانية في داخلي كالشعور بالخذلان مثلاً أو بالنقمة، الى ما هنالك من مشاعر متناقضة.»
لا يحدد المعلا خطوطه بالاطار السببي والزمني: «قد اكون ناقماً وفي بالي خلاف ما لكني لا أشير اليه بذاته بل أتعامل معه برمزية. أحياناً تتملكني رغبة السيطرة على الزمن، رغم أنه أمر مستحيل كون الزمن يندلق كل الوقت، لذا أحاول أن أترجم رغبتي من خلال لوحة يمكن أن يكون فيها الشخص نفسه في لحظات متنوعة أو يمكن أن تكون مجموعة حوادث في وقت واحد، بشرط ألا تتحول الى نوع من قراءة سطرية. بمعنى أن تذهبي من مفردة الى أخرى، كأنك تقولين هل يمكنني الاستماع الى السمفونية الخامسة لماهلر في لحظة واحدة؟ هذا أمر صعب. يجب أن يندلق الزمن وتمر الإيقاعات كي تسمعينها كلها. أو كأن نقول قصة كل شخص يصورها بحسب قدرته على الإبداع وفلسفة التفاصيل. لدينا كعاملين في مجال الصورة والفن التشكيلي هذا السعي الذي نحاول فيه أسر الوقت في لحظة واحدة، لذا أركّز على عامل الزمن».
هل ثمة زمن محدد يسعى المعلا إلى أسره؟ يجيب:» كلا، ليس بالضرورة، هو في النهاية زمن ما، حتى أن زمن وجودنا نفسه حين نرسم اللوحة نضعه فيها. هذا الوقت الذي أمضاه في تجاربنا لنصنع هذه اللوحة بما فيها من مفاجآت وصياغات ومشاكل وطرافات ومحاولات الانقلاب على أنفسنا أو تجديد شيء في داخلنا أو الاستسلام. لذا تشكّل نوعاً من الوثيقة الدقيقة التي تشير إلينا كآدميين».
لكن هل تحتمل الخطوط الفنية التشكيلية جنسية ما؟: «لا أشعر بأنها فرضية صحيحة، الجنسية مكانها دائرة النفوس وليس الريشة والألوان، وربما يلجأ بعض الفنانين الى منح لوحاتهم جنسية ما وهذا مرتبط بشخصية الفنان نفسه».
نسأل المعلا عن «الكوفية» التي تظهر في احدى لوحاته؟ فيوضح: «المسألة تقنية وهي تظهر على هذا النحو. إذا نظرت الى المنحوتة المقابلة لهذه اللوحة ترين «طاقية». هناك من يقول انها فينيقية وقد تكون صوفية وبالتالي هي عبارة عما يغطي الرأس. وقد يكون التاج مثلاً ويختلف عن القبعة. يمكنني أن أراها امتداداً للرأس في الفراغ، رغبة في موازنة علاقتي مع الجاذبية الأرضية أو إمكان للخروج من محاولات السيطرة على العنصر المرئي وإعطاؤه سمة. علينا عدم تأطير الرؤية في عنوان افتراضي يحسم طبيعتها وبعدها. بالنسبة إليّ، القراءة المحددة والتفسير يمنعان وصول الإبداع الى مداه الواسع الذي اتمناه».
ما المدى الذي يتمناه الفنان المعلا؟: «ما أتمناه أن يذهب الإبداع الى مكان تكون فيه فرص التعامل مع ما هو قادم وليس ما مضى. قد نشعر للحظات أن هذه اللوحات تضم شيئاً من التاريخ والدين إلاّ أني أزعم أنها تشير الى ما هو قادم: الانسان قضيتي الأساس، وكل ما نقوله هو ما نحمله. قد يحمل الإنسان كفنه أو همه أو حلمه، الى ما هنالك من «أقوال». أنا مثلا أقول حريتي وهذا اللوحة هي رسالتي العميقة التي أريد فيها أن أكون حراً أكثر بكثير من أن أكون مفردة أو مجموعة أفكار قابلة للمراجعة مع الوقت».
وماذا عن حضور الخط العربي في لوحاته؟: «لقد اكتشفت أننا حين نوقف الكلمات عمودياً فهي تبدو أشخاصاً. يكفي أن تنزعي عنهم النقاط حتى يبدو أن لا علاقة لهم بالكلمات، كأن الإنقاص خلق تلك العلاقة مع الكلمات. لماذا لا أرسم الاشخاص ككلمات طالما أن الكلمة هي الإنسان والجسد. هي فرصة للعب على الجسد، هذا النص الجسدي وذاك نص المفردة. هناك مجموعة نصوص شعرية عربية أعدت صوغها بطريقة مختلفة كنوع من مادة جمالية جديدة، وفي مكان آخر سعيت إلى دمج ما لا يدمج، ولأني أتقن الخط العربي اخترته كقيمة تشكيلية وخلفية لشخوص اللوحة».
حول رؤيته للألوان يقول الفنان المعلا : «إن اللون الأبيض هو النور الذي يشغلنا كبشر رغم أني أرى أن الأسود هو الأصل، لكن ويا للأسف نحن لا نذكر هذا «الأسود» الذي احتوانا في رحم أمنا بل نستذكر بريق النور الذي أبصرناه».
يريد المعلا من المتلقي التمتع باللوحة لا السعي إلى فهمها بحسب نفسية مبدعها، ويؤكد أنه رسم الثورات الآنية منذ زمن ومن يعرف تجربته يجزم بذلك. كما يتصور أننا نسير نحو الأفضل، مشيراً إلى أن فلسطين حاضرة في تفاصيل وجودنا، وكل ما جرى ويجري حولنا يأخذنا اليها، وطالما الصراع مستمر فإن الأمور في متناول الروح. نختم «اللوحة الحوارية» عند أطراف حارات الشام فيقول: «حارات الشام موجودة في لوحاتي لكن ليس بالضرورة أن تكون في البنية المعمارية. ما يعنيني منها هو الإنسان. الهيكل المعماري طرأت عليه تغييرات عديدة، فقد صغروا أبواب الحارات وبنوا أسقفها بشكل لا يمكن أن يدخلها فارس ممتطياً حصانه، وفي ذلك دلالات. بالتالي هناك صياغات تتبدل مع الوقت، البريق في الصدف الموضوع على الخزائن والمقاعد ليس ناتجاً عن عفوية وتزيين بل هدفه أنك حين تمرين ليلاً وتحملين شمعة تشعرين بأنك في مكان مغلق أو في حيّز تعرف أطرافه كافة وليس كمن يعبر في العدم. ومن يبغي رسمه في هذا المعنى حرّ، لذا أترك هذه الحرية فرصة لفنان آخر».