Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


يرسم قلعتَه وحشٌ ....وينام!  

 

 
الفنان أحمد معلا عرض لوحاته لكي يتفرج عليها هو أولاً، وأصدقاؤه ثانياً، وذلك ليوم واحد فقط.
ومن "هول" حجم اللوحات و"هول" ما فيها من ازدحام بشري، وعجول بشرية، وهندسة سوداء، وزحمة بياض.. احتاج هذا الفنان المتحضّر إلى أكثر من وحش.. أحتاج إلى قاعة جناح الجمهورية العربية السورية في معرض دمشق الدولي.. لكي يفرد فيها وقاحته الحزينة.
من ضخامة اللوحة المرسومة في محترف منزلي ضيق لم يستطع أحمد معلا أن يرى نتائج الريشة التي بحجم مكنسة شرّ الأمكنة، أوبطول منفضة غبار زجاج الملائكة. فأتى إلى هذا الفضاء الواسع ليبتعد عشر خطوات عن المدى المجدي للبصر النافذ... فيرى الفنان سخريته وهي تمد لسانها من عمق المجهول المرتعد لسبب ما... الرعدة والسخرية معا ًيوجدان سبباً ونتيجة. وهاهو المتفرج من مسافة معقولة وضرورية... يرى قلب اللوحة في لا عقل انتشارها الواسع...العشوائي والهندسي في آن معاً. ومنذ أول لوحة رأيتها لأحمد معلا دلّني على المعنى الذي يشتغل فيه الفراغ أو الفضاء وظيفته البطولية بدلاً من اللون والزخرفة ومفردات التشكيل الأخرى. وهكذا استمر في عرض مسرحي مهرجاني في مشروعات ومعارض رعدة من (خوان ميرو) إلى (تحية إلى سعد الله ونوس) إلا أن  ترك تدريس طلابه في كلية الفنون الجميلة وذهب إلى أوسع... إلى الديكور السينمائي والتلفزيوني، حيث يتركه المخرجون يفرض عليهم، في مرح شديد، شرطه النزق في اختراع بصرياته النافذة. لقد أوضح في رسالة استقالته من التدريس، الموجهة آلى وزيرة التعليم العالي، مذهبه في الفن، حيث لا طلائعية ولا مدارس ولا هموم شرقية أو رياح غربية... وإنما – فقط- تلك الشحنة الضرورية من النزاهة المتوترة التي تؤدي إلى الحرية.
أحمد معلا يخلق مسرحاً في اللوحة، ويرسم كائناته العجيبة من طبيعة مسرحية. ويجعلك تتفرج على احتمالات شديدة التنوع وشديدة الالتباس. وقد تحتاج أو لا تحتاج إلى ثقافة فنية لكي تتفرج على مسرحه الفني أو على عرضه العاري من الكذبة الجميلة للون. فالبشر وحيدون وهم جماعة. متهامسون وهم في وسط ضجيج. متآمرون. ساخرون. أذكياء وأنصاف حيوانات. مرميون أحياناً من نافذة الحياة أو داخلون، في عراضة، من بواباتها الرئيسية. مهرجون في حزن صريح. ولا موقف لهم من عذاب امرأة على طاولة النخّاس، أو أن لهم موقفاً باستدارة الأكتاف ولغة الالتفات المائل إلى عبث... الباحث، في حيرة عن غريب.
لقد حشد في لوحاته هذه بشراً بلا عدد، بلا ملامح، بلا هويات، بلا عنف فائض أو فرح طاغ. كأنما في ميناء للقيامة وهم مُعَدّون للتصدير، كأنهم أشخاص في سفينة "أليكس هال" في رواية "الجذور" مع تمييز صريح للمصير الضاحك وليس المأسوي للعبد الصغير "كونتاكنتي" بطل الرواية.
إن مسرحة الحياة على هذا النحو الساخر والمرير تحتاج الى ضجة بالبشر وهم يؤدون رحلة حجّهم إلى / وفي الحياة. ملوكاً وعبيداً ونساء بنهود أو من دون مؤخرات. هؤلاء الصغار المزدحمون الفاعلون كاسرو التماثيل والأيقونات، ومحاربو الهواء... والذين هم منهمكون أيضاً في لذة وجودهم المشترك يمارسون هواية أن يحبوا ويشربوا وينكسروا على متكئ من الحزن في ضواحي اللوحة كأنما يخرجون، أخيراً، من الدور المسرحي لنفاد فاعليتهم الجمالية.
قد لا أستطيع، وأنا أعزل من السلالم، تسلق أسوار هذه القلعة. هذا ما يحس به قلب المشاهد أمام عمل إمبراطوري بالأسود والأبيض وعزلتهما القاسية. كما ليس بوسع أحد أن يشرح لنفسه اكتفاءه من الفرجة على معرض هو "أرميتاج" صغير، بمقتضى الجولة النفسية، يحتاج إلى أيام. كما أن كمية العضلات المبذولة في هكذا شغل، وأيضاً كمية العضلات الممنوحة لبشر وحيوانات اللوحات، ولتأسيس مفرداتها الهندسية... تجعلنا ندخل في مبالغة المنجز كتدخّل فرعوني بجدار من أجل الخلود.
إن الرسم بهذه الطريقة يحتاج إلى صليبي قديم يريد البقاء بين فكرة القداسة ويوميات القرصان، وبينهما أيقونة المتديّن ومغانم البربري..
صليبي إمبراطور يبني قلعة يحتاج بناؤها إلى زمن يكفي لانجاز هزائم محتملة عدة من أجل البقاء أخيراً وراء الأسوار الآمنة لقلعته الضخمة.
الرسم بهذه الطريقة الوحشية يحتاج إلى وحش. إلى.. "قتّال قُتَلا" ينكش أسنانه بجذوع الأشجار التي يحتاجها اللون الأسود، ثم وحيداً، كأنما أنهكته المجزرة، يتكئ الوحش على.. ناي و.. ينام!!
عادل محمود