Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


معرض أحمد معلا: مناخ احتفالي وكتابات إبهارية!  

 

دمشق من نزار سلوم
في المعرض الأخير للفنان أحمد معلا، الذي صاغه وصنعه في "غاليري أتاسي" كان على هذه الصالة أن تتخلى عن بريقها الأبيض وفراغاتها الكلاسيكية مقابل الزحف "الأسود" بجلابيبه ورماله ومائة وشخوصه التي لم تترك فسحة في الصالة إلا واستوطنتها.
        وكما هي دائماً معارض أحمد معلا، فقد صاحبه جو احتفالي لم يفارقه منذ الافتتاح وحتى اليوم الأخير. وتمثل هذا الجو بذلك الحضور الحاشد الذي تدافع مزدحماً في يوم الافتتاح، وتكرر مياوماً على الحضور. غير أن الأحاديث والتعليقات، وبالأخص الكتابات والنصوص الصحافية، شكلت الجانب الأكثر صخباً ووضوحاً في هذا الجو الاحتفالي.
        تأسست الكتابة الاحتفالية عن المعرض في الكتاب الذي تم إنجازه وتوزيعه منذ اليوم الأول، إذ تضمن حواراً مع الكاتب المسرحي سعد الله ونوس عن الحياة والفن، ونصاً وضعه الفنان معلا نفسه، ونصاً آخر وضعه الشاعر نزيه أبو عفش جاء بعنوان: "بصيص ظلام"، إضافة إلى مجموعة الصور الفوتوغرافية التي توثق أعمال المعرض.
في الأيام الأولى كتب أنطون مقدسي نصاً حول المعرض، ثم عاد وكتب منذ أيام نصاً آخر. وتبعه كتاب آخرون نشروا كتاباتهم في الصحف اللبنانية والسورية.
        يعتبر النص الذي وضعه الشاعر نزيه أبو عفش مسؤولاً بشكل مباشر عن أضفاء جو الاحتفالية الكتابية التي جاءت مساهمة أغلب الكتاب منتمية إلى فضائها. ولعل الحشد الضخم من المصطلحات والأوصاف المركزية أو العليا التي استخدمها أبو عفش عملت، تلقائياً، على إلقاء القبض على النصوص اللاحقة التي بدت، في أغلبها، وكأنها منتجات كتابية مستولدة من أصل هو نص أبو عفش. وبتصور حجم الضغط الاحتفالي الذي تمتع به هذا النص الأخير، نذكر فقط بعض المصطلحات الواردة فيه والتي رُصفت لمقاربة عمل معلا:
إلياذة هوميروس – جحيم دانتي – حشود مايكل أنجلو – كائنات غويا – أوبرالي – الياذة بصرية – مناخ دانتوي – عصر نهضة – مشروع حياة – نشيد ملحمي – مناخ كاتدرائي – كوميديا – مذبحة – هذيان كوني – عمل ملحمي – كابوس جهنمي... وتكررت هذه المصطلحات في نصوص لاحقة، كما تم الغزل على منوالها في محاولة خجولة للتخلص منها. إلا أن هذه النصوص، في أغلبها، عمدت إلى استحضار كل مصطلح ممكن ومتمتع بموقع عال صاخب، كما هي مصطلحات أبو عفش، فكان أن تورطت بالكلام عن كل شيء... ولا أدري إن كانت تكلمت عن "الشيء" المركزي في عمل معلا، أو العلّة الأولى التي تسببت بكل هذا الفن!
        في وصف أولي مباشر بسيط، يتشكل هيكل عمل أحمد معلا من رقعة واحدة مشغولة بالأسود والأبيض، تمتد على جدران الصالة من أولها إلى آخرها، في رحابة بعض جدرانها، وفي اختناقات بعض زواياها، كما في العمود الذي يتوسطها. كل ذلك وسط فضاء مشغول بكيفيات وأسلوب العرض واستخدامات الإضاءة والموسيقى "التي وضعت خصيصاً" حسب قول الفنان نفسه. والعمل بهذا المعنى إنجاز تنصيبي Installation،وهذا التنصيب بحد ذاته استحداث على المشهد التشكيلي السوري، ليس لطيوفه الإبهارية فحسب، بل ربما لسبب آخر يكمن في قدرته على اقتطاف المتفرج، وإلقاء القبض عليه وذلك منذ تسلله إلى الداخل وإلى الوقت الذي يقرر فيه الخروج من باب الصالة في محاولة للهروب لاستعادة بعض أنفاسه، وفي الواقع السيطرة على نفسه.
        ثمة معادلة مقلوبة، إذن، في علاقة الملكية مع المقتنى الفني. ففي الوقت الذي اعتاد "المتفرج" الدخول إلى "الغاليري" مسلحاً بقدرته الشرائية، متبختراً بين الأعمال، متشامخاً على اللوحات التي كدّ بها الفنان حتى حاكها، ليخرج هذا "المتفرج" بعد حين وهو يتأبط ما يحلو له، وترتاح عينيه له. أو يتناسب مع ديكوراته المنزلية أو المكتبية... في هذا الوقت عمد عمل معلا الأخير إلى قلب هذه المعادلة رأساً إلى عقب، فأحال المشروع برمته خارج إطار الملكية، فجاءت زيارات الناس إلى المعرض كسلوك مماثل لسلوك زياراتهم للمتاحف، أو النصب الثابتة. فمع اختفاء "العلامات الحمر" التي توشم بها، عادة، الأعمال الآيلة إلى ملكية الزبائن، ومع الابتكار "التنصيبي" المميز، تحول المعرض بكيفية ما إلى مكان ثابت يتسم بهيبة "زمنية" تكسبه ملامح قابلة للمشاهدة مرة تلو الأخرى، ولكن تمنعه بالمقابل من السكن في منزل صغير أو حتى في قصر خاص وإن كان كبيراً إنه, في النهاية، نوع من الأعمال التي لا يمكن التعايش معها، وذلك لعم توافر الشكيمة الداخلية التي تفضي إلى السيطرة عليها. إنه عمل خارج السيطرة.
وفق هذه الرؤية، يتم التساؤل الآن عن مصير العمل بعد أن تم "شحنه" من الصالة ليحفظ في مكان آخر. هل سيصار إلى اقتنائه من قبل وزارة الثقافة السورية، أو أحد المؤسسات التابعة لها؟ وهل يمكن تنظيم رحلة له إلى الخارج... فرانكفورت، برلين، روما، باريس، لندن؟ ومن سيتولى مسؤولية إنجاز هذه الرحلة؟
        كثرت الأقاويل حول المصير الآخر لهذا العمل، كما كثرت تكهنات. ولكن، ومهما كان الموقع الأخير الذي سيربض فيه ويستوطن، فإن الكتابة البحثية عنه ما زالت في أولها وإن جاءت الكتابات السابقة بمثابة إنتاج موازٍ، غير أنها في الغالب وقعت ضحية لطاقته الإبهارية، فكثر إبهارها وقلّت أسئلتها وانحسر مناخها البحثي.