Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


التشكيلي معلا يقود الجماعة بالفرشاة ليبدأ الحكاية
أعمال فنية تطل بهمسها وضجيجها الداخلي  

 

في معرض الجرين آرت في دبي
التشكيلي معلا يقود الجماعة بالفرشاة ليبدأ الحكاية
أعمال فنية تطل بهمسها وضجيجها الداخلي
كتب حازم سليمان
من الصعب علينا تحديد المشاعر التي تفرض نفسها عند التجوال بين أعمال الفنان التشكيلي أحمد معلا المعروضة حالياً ولغاية 29أكتوبر الجاري بصالة "جرين آرت" بدبي.
أسئلة متعددة تتولد ولا تكاد تتوقف أو تنحصر عند نقطة محددة، أسئلة قلما نطرحها على أنفسنا لأنها قاسية وموجعة، تمس وجودنا وتنبش في علاقتنا بأنفسنا وبالعالم المحيط بنا، تريد منا أن نحدد موقعنا وموقفنا وبالتالي ليس أمامنا سوى خيارين اثنين فإما أن نغادر القاعة لكي لا تتورط، أو أن ندخل اللعبة دون أية حيادية وطمأنينة باردة اعتدنا عليها.
أعمال تحيط بك من كل جانب تمتد على جدران الصالة تطل بهمسها وضجيجها البشري الداخلي، حيث وحدة الأول والأخير، حزينا، فرحاً، منتشياً يعيش فضاء المكان وخصوصية اللحظة، بصوت داخلي يقول إنه أنت وأنا وزحام الشارع والمعامل والأعراس والمظاهرات إنها اللحظات الجماعية الطقسية التي توحي بصورة وبأخرى إلى غريزة القطيع، غير أن الصورة الجماعية التي يتعامل معها أحمد معلا فيها من النبض والحياة ما يكفي لإحالة المعنى إلى عكس ذلك تماماً، فردة الفعل جلية المعالم ورفض الانسياق في دوائر الوحدات الاجتماعية المشبوهة في مرجعيتها وأصولها نقطة أساسية في البعد المعنوي لهذه الأعمال. يرتكز أحمد معلا في هذه الأعمال على إرث ملحمي وتراثي واضح، إنه يؤسس للعمل وعاء زمانياً تاريخياً مستغلاً حساسية تلك الأزمنة المستعادة وثرائها الاجتماعي والمكاني وكأننا نجلس خلف مرآة لعصور النهضة وطقوس المتعة والحزن والتي زلت معالمها في وقتها الراهن إلا أن هذه الأعمال لا تلبث أن ترفض إقصاءها عن مواجعنا الراهنة وترفض حضورها وسطوتها في مواجهة الإصرار على تولية الناس وإلغاء تميزاتهم الفردية للدرجة التي يصبح فيها الإنسان مستلباً تماماً يتحرك وفق هوائية النخبة ومزاجيتها.
وهنا يجلس معلا خارج حدود الدائرة والسيطرة ويمضي بالاتجاه المعاكس، وكأنه أحد الشهود على مرحلة أو مراحل عديدة، أو ذلك المنبوذ الذي يسترق النظر ليقول لنا هذا الذي حدث ولا يزال لكنه لا يكتفي بالاشارة نحو الآخر بل يدمجك تماماً داخل اللوحة وبين جموعها، فأنت نفسك ترقص حيناً وتموت في الحين الاخر، تهمس في أذن صديقك خوفاً من نواطير الحقيقة، تفاوض البائع على ثمن الرغيف تناجي امرأة وهنا لا بد أن تشعر بالغضب من أحمد الذي استطاع التقاط هذه اللحظات فاضحاً إياك معرياً ما تسعى لإخفائه دافعاً كل هذه التفاصيل إلى دائرة الضوء والفرجة. وقد يكون من حقنا هنا الحديث عن نزعة فوقية يمارسها معلا في هذه الأعمال من خلال تحكمه المطلق بالجماعات البشرية فهذه التجارب ليس لنا تجريدها من حالة خبث ومشاكسة واضحة، فهو يوجه جماعاته نحو الفرح، والنصر والهزيمة ساعة يشاء ليبرز ذلك الوجه الطفولي العابس للفنان حيث يهدم ويبني ويعيد الهدم والبناء لدرجة أن اللوحة تظل مفتوحة قلقة لا تعرف الاستكانة أبداً، فحيناً يأخذ العمل الطابع المتناغم موضوعياً ونجده في الحين الآخر تحول إلى وحدات أفقية وعمودية فيها العشرات من الايحاءات لتبرز وعي الفنان الشمولي لما يدور من حوله بحساسية المتفاعل والمتعاطف المتحامل فهو يرفض أو يكون داخل النسق القطعاني ويريد دائماً تلك المسافة التي تتيح له حرية الحركة والرؤية وبالتالي نجده يصمم الرفض على الآخرين لكنه في الوقت ذاته لا يلغي فتنه الجماعة القادرة على التغيير وقلب موازين القوى.
 يقول أحمد معلا: لا يمكن أن أعيش دون أن أعي ما يحدث حولي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلى كافة المستويات، وإلا سأضيع على نفسي فرصة مهمة تتعلق بعلاقتي بفني وعلاقتي بالجمهور، أنا مطالب أن أعي ما يعيه الجمهور ومطالب بحساسية تشابه حساسية من يحيط بي.
أما أعمال معلا لا بد أن تسقط في فتنة اللون والضوء والمناخ البصري الممتع ثمة ما يجعل اللوحة لديه مثيرة للحواس ضرباته قوية وألوانه نابضة بالحياة والألوان والجرأة وكأنه يعمل من داخل اللوحة لا من خارجها كاسراً ذلك الجدار الشفاف بينه وبين عمله متداخلاً معه الأمر الذي يجعل من أعماله على غاية من الحيوية والشمولية التي لا تتوقف عند زمن بعينه كما قد توحي لأنها ترصد الإنسان في عوالمه الواقعية والمتخلية تخرج من التاريخ عابرة الحاضر إلى المستقبل وخلال هذه الرحلة تتنوع الأدوار والصور ويبقى الإنسان ليملأ الفراغ ويجسد الحقيقة والوهم والتاريخ.
يصعب علينا هنا أن نمضي بعيداً في إغراءات لوحة أحمد معلا لأنها من النوع الذي يجعلك تحاكي ذاتك وخوفك وانهزاماتك، لأننا أمام فنان مجدد يدرك أن الفن ليس إلا لعبة مثيرة من الموت، ويؤمن أن الإنسان هو النواة الأولى والأخيرة وهو المشروع الذي لا شيء ينهض إلا على أكتفافه وهو المطمع بجنون السلطة وديكتاتورية الزمن، وهو الذي يستحق منا أن نفتح له أبواب الفرح في ظل المقالة السوداء ويومياته المغلقة بالحزن والخوف والملل.