Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


في باريس أثارتني شجرة لونها أحمر خمري أكثر من برج إيفل.  

 

هل نرسم بالقصبة وحبر البصل أو الرمان لنخلق رسماً عربياً؟
 
        تعد تجربة الفنان التشكيلي السوري أحمد معلا.. من أهم التجارب الفنية في سورية، درس الفن التشكيلي في فرنسا (باريس) وأنهى الدكتوراه الفنية. استطاع لفت الأنظار إليه من خلال معرضه المهم /88سورية أحمد معلا/ ومن خلال تجربته المميزة في تصميم الأغلفة.. وإخراج الكتب والمجلات.. والسينما والمسرح والشعر.. وأسلوبه الخاص في الفن وتدريسه في جامعة دمشق..
        د. أحمد معلا.. هذا المشاكس الجميل والطفل النقي يتعاطى الحياة بمزاجية الفنان الأصيل يتفرد بخصوصيته الواضحة لدرجة الدهشة، مدهش تماماً في عوالمه الحياتية والفنية. شارك مؤخراً في معرض 4+5 المشترك بين سورية والخليج العربي في بيروت.. ويستعد الآن لإقامة معرض فردي، التقيناه.. في هذا الحوار الصريح:
·         دعنا نبدأ من هذا "المسّ" اللطيف.. متى بدأ؟ وكيف؟
طفولة أولى على البحر، ثم الفرات، لا بد أن المسّ وقع قبلها في مورثات أخذت طابع الانتماء الأكثر مصداقية مع العالم من خلال العين لقد شكل البصر بالنسبة لي، وما يزال أهم عناصر معرفتي، فمنه تنطلق الدهشة الأولى بعلاقتي مع الأشياء حتى في وقت متأخر عندما ذهبت للدراسة في (باريس)، استطاعت شجرة لونها أحمر خمري أن تثيرني وتدهشني أكثر مما تمكن بناء (مونبارناس) المرتفع أو برج (إيفل). اللعب بالأشكال والمظاهر خلق علاقة ممتعة مع العالم الخارجي، وربما لم يأخذ بعداً تعبيرياً إلا في وقت متأخر. إذ كانت العلاقة بسيطة للغاية في بداية الأمر عليّ أن أعيد وأجدد الوردة أو الصورة من جديد بالألوان والأقلام. أما اليوم فلا، لقد أصبح الأمر شاقاً، فأنا أحاول أن أرسم مالا أعرف مسبقاً رسمه، إنني أغزو عوالم لست أعرف خفاياها ولكنني أغامر بحثاً عن الكشف والحرية.
·    هذه المغامرة د. أحمد.. هل نسميها هاجس الكشف.. أو البحث عن أشياء.. لتكن أشياؤك، إذاً اتفقنا على تسميتها بهاجس، هل تحدثنا عنه؟
لن أنضبط بمستوى التسمية، الأمر بالنسبة لي يأخذ أبعاداً واحتمالات متباينة. فالهاجس أحياناً قد يتحول إلى حاجة أو ضرورة، إلى مثابرة أو متابعة، أو إلى تحدّ.
إن الفرصة التي تمنحني إياها الألوان والخطوط والعلاقات التشكيلية المتعددة تضعني دائماً في سحر حالة الخلق الذي قد يفضي إلى صياغة أخرى. فقد أعمل على إلغاء الجمالية من عمل ما بحثاً عن مزيد من الخلق، لكن ظهور جمالية قد تكون تزيينية في بعض الأحيان، من الممكن أن تقودني إلى إنجازات ذات طابع مفتعل.
قد أشتهي أحياناً إعادة خطوات عمل ما على مساحة مختلفة، وأحاول ذلك وقد لا أحظى بنتائج ترضيني ولكنها تكون مجالاً لطرق تجربة مختلفة والهدف بالطبع هو محاولة سدّ ثغرات التجربة التي أعيش فقد أصل إلى ما أود بعد بحث طويل بعمل واحد وهذا يكفيني إذ أنه سيتحول إلى مصدر لخلق مفترقات داخل الحقل التشكيلي الذي أسعى خلاله كمحاولاتي الأخيرة للخلاص من تقاليد واقعية بصرية بما فيها القضاء على المنظور والوصول إلى لوحة لا تتمكن العينين من الدخول إليها بسهولة. إذ تبدو نقطة الفرار في عين الرسام الملون وليس في مكان معين داخل العمل.
·    للآن نحن كعرب ليس لدينا مدرسة فنية خاصة بنا، ويرى الكثيرون أن الفنان التشكيلي العربي ما زال يقلد ويتبع المدارس الفنية الغربية. ما رأيك؟
وكذلك لا يوجد لأي قومية أوروبية مدرسة خاصة، ولا أرى مشكلة في ذلك، وأعتقد أن التنظير وبعض الدراسات ذات الطابع الإيديولوجي رسخت هذه الأفكار، وصنعت منها حكم قيمة يستخدمه الكثيرون أثناء تعرّضهم للوحة أو للفن بشكل عام. وإذا اعتبر الكثيرون أن التشكيلي العربي اليوم ما زال يتبع المدارس الفنية الغربية فهذا لا يعني أن هؤلاء يمتلكون الحقيقة الكاملة عن الموضوع، فالفن الغربي أيضاً ما زال يتبع المدارس الفنية لفناني ما قبل التاريخ، يكفي إلقاء نظرة على إنجازات التعبيرية لنكتشف أن أصولها موجودة في أعمال سومرية.. وفينيقية.. والخ. لكن أزمة التحدي التي يؤلبها الصراع المستمر بين الشرق والغرب فهو الذي يوقعنا في مطبات التورط بأحكام قيمة غير ممتدة في الزمان والمكان. وإذا استخدمنا رأي الفنان الفرنسي (ليجيه) الذي يقول: "إنّ الفن لا يتطوّر إنما يتغيّر لردّات فعل وثورات داخلية".
فإن المدارس ليست إلا تيارات واتجاهات حاول النقاد الفنيون أن يرسموا حدودها من أجل التمكن من التميز بينها، في حين لم يخلص أي من الفنانين لهذه القوانين فمع أن الانطباعية تشمل أسماء كفان جوخ وجوجان وسيزان إلا أن التعبيرية أو الوحشية أو الأنبياء وحتى الرمزية تحظى جميعاً بهذه الأسماء بين أعلامها. الفن التشكيلي اليوم إنساني بمعنى شموليته، دون حدود، ويسعى إلى علاقات مختلفة مع الكون والميتافيزيقيا والواقع. ويستفيد كل فناني العالم اليوم من شتى الإنجازات الحضارية. هل علينا اليوم أن نرسم بالقصبة وحبر البصل أو الرمان لنخلق رسماً عربياً يتميز عن الرسم الغربي؟ ولا أفهم لماذا يطالبونا بإنجاز (لوحة عربية) ولا نرى سيارة عربية. علينا الاستيقاظ من هذه الغفلة والعمل على إنجاز بحوث تشكيلية في مجالنا، مثلما على كل عربي أن يعمل في مجاله، على الأقل من أجل المشاركة في الحياة على الأرض للتمكن من رفع رؤوسنا، وإلا فمصيرنا الإلغاء. فلا خير في من لا يشارك ويكفينا التعلق بفكرة "خير أمّة أخرجت للناس" بميكانيكية.
·    أرى أنه ليس لدينا نقد خاص بالفن التشكيلي.. وإن وجد فهو مقلّد ومطبّق وجاهز وهو حتماً يساهم في عرقلة مسيرة الفن ما رأيك؟
لا أريد التعليق كثيراً على هذه النقطة، فالنقد الذي يقيمه الفنانون بين بعضهم البعض من جهة، ومن جهة أخرى مع ذواتهم يقوم بدور مهم في تحريك الفعالية التشكيلية. أما النقد الآخر فهناك ما يغطيه كالمقالات السريعة في الصحف والمجلات المنوّعة. ولا أدري كيف سيكون هناك نقد؟ لطالما لا يوجد مجلة واحدة عربية مختصّة بشؤون الفن التشكيلي تصدر ولو على الأقل شهرياً.. ترصد حركة الفن التشكيلي العربي، وتؤرّخ للفنانين، وتتابع النشاطات وتبذل ما في وسعها لتغطية (البيناليات) والمعارض الكبيرة والشخصية بعيداً عن المؤسسات الرسمية.
·        ولكن، لماذا بعيداً عن المؤسسات الرسمية؟
لأن للمؤسسات الرسمية علاقاتها غير المنطقية مع حركة التشكيل والتي تقود في أحيان كثيرة إلى اختيارات قائمة على مزاج مدير المؤسسة ولأوضح المسألة مع أنها قد تثير عداوة بعض الأشخاص، يمكنني القول بأن الفن التشكيلي في سورية حظي طوال سنوات طويلة باهتمامات متعددة من قبل الدولة ومن قبل الجمهور والقطاع الخاص.. الخ، ورغم هذا كله فإذا ألقينا نظرة على من اختارتهم مديرية الفنون الجميلة التابعة لوزارة الثقافة في سورية لتمثيل التشكيل العربي السوري في (بينالي) الشارقة لوجدنا عملاً لأحدهم مواليد 1946، لا يرقى إلى مستوى التمثيل في أفضل الأحوال، ومع أن أسماء تشكيلية شابة وأخرى أكبر فأكبر تسعى طوال الوقت بإخلاص إنجاز تجارب تشكيلية مهمة إلا أننا نفاجأ بمن لا يمكن اعتباره مضيئاً في هذه الحركة ممثلاً لبلدنا بعمل لا يعبر إطلاقاً عمّا وصلت إليه التجارب التشكيلية في سورية.
إن الخطورة في هذا النوع من التصرفات يكمن في عدم فهم أهمية الاتصال البصري الذي لا بد أن نتاجه جزء من صورة الوطن والغيرة عليه هي غيرة على الوطن أيضاً.
·    أعرف أنك شاركت مؤخراً في معرض 4+5 المشترك بين سورية والخليج لكني أود أن أسألك عن معرض (88 سورية أحمد معلا) لأنه مهم جداً في سياق تجربتك الفنية. ما رأيك؟
ما حاولت تبنيه منذ معرضي (88 سورية أحمد معلا) هو أن أسعى في كل مرة أريد أن أعرض فيها إلى تحقيق إنجاز تشكيلي يعبّر عن قفزة نوعية تجريبياً وذلك من أجل الوصول إلى خيوط عامة لا بد أن تأخذ مع الوقت الطابع العام لروحي، فالهموم التي يخضع لها العمل الفني متعددة ومتنوعة تقنياً وبصرياً وفلسفياً وسيميولوجياً.. الخ، وقد لا نتمكن من الإجابة على كل الأسئلة في تجربة واحدة.
وقد تخلق الظروف التي تحيط بنا أحداثاً متنوعة التأثير وكذا العمر الذي نتقدم به خلال السنين تاركاً آثاره، هذه جميعاً تدفعنا بطريقة أو أخرى إلى تبنّي مواقف وأهدافاً قد نرحل عنها أو نعود إليها بحسب الحاجة مما يضع العمل الفني في موقع البحث والخلق والتأليف ويدفعنا إلى المضيّ في محاولاتنا.
إن الإبداع هو أهم ما يميز العمل الفني ولذلك تخلق النشوة التي يتركها.
ولكي أقطع عليك يا أحمد فرصة السؤال أقول لك: "إنني أسعد عندما تدفع أعمالي في الآخرين الرغبة لفي الرسم والتلوين".
·    تكتب الشعر ونشرت الكثير، مارست هندسة الديكور وما زلت، تصمم الأغلفة، وانشغالات كثيرة في السينما والمسرح، كذلك أيضاً تدرّس في كلية الفنون الجميلة وتحاول خلق منهج في تدريس المادة الإبداعية. دكتور أحمد هل أن كل هذا يشكل استراحة من تعب هاجسك الأهم (اللوحة).. أم ماذا؟
لا أبداً إنها تنتمي جميعاً إلى عالم اللعب والإبداع والخلق، وفيها جميعاً مساحات لممارسة الحريّة.
 
أجرى المقابلة: أحمد عساف