Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


شمّام الورد الدّاكن  

 

مجد حيدر
النشيد الثاني لأحمد معلا في صالة بلاد الشام، لم تكن إلا تتمة لنشيده الأول الذي أضاء به صالة أورنينا في العام الماضي، رغم غيابه عن معرضه في تلك الفترة لتتمة دراسته في باريس فقد قدم رؤيا ما يسمى الوطن- الذاكرة.
أما النشيد الثاني فقد كان يعيش على الإسفلت الساخن ويعوم في الطمي والروائح الزنخة. ويشاهد تحولات الإنسان والمجتمع كان يعيش خارج الجسد ليرى الجسد أما الآن فقد انصهر وسُحق تحت تداعي الركام. وبوغت بسذاجة ما كان ينمى إليه، وكم هو عذب أن تعيش تحت هجير الوطن ورائحة الغبار...!!
ماذا ينفع الصحراء سوى الشعر، وبريشته وألوانه كان شاعراً. ولون رؤياه عن تلك الصحراء الجهنمية التي كانت قدراً عربياً بروحه وأشخاصه المهزومة بقدرها وميراثها.
ولا زالت تعيش جموحها المقتول، إنه العربي المباغت الذي أغلقت في وجهه مساحات العقل ووقف أمام السكون والجدران العالية التي سدت منافذ عقله وقلبه وتوقه إلى الانفلات، ولذلك كان جريئاً ومجنوناً في لونه وإيقاع لوحته الراقص، ولكن أي رقص إنه رقص إعادة خلق الأشياء بروحه وبصيرته التي تحمل نبوءة الكارثة.
فإحساسه بميراثه وفهمه له جاء عبر رؤية معاصرة متحركة لا تحمل سكون اللوحات الميتة التي تقدم البيوت القديمة وأقواس قصور الرشيد والمأمون ووهم عصور العرب الذهبية تهاوت لديه تحت وطأة غياب العقل وشمله المستمر حتى عصرنا الراهن.
إن نزف ريشته يعكس نبض الحالة الجوانية التي يتفاعل فيها مع رؤياه والحقيقة السوداء التي يشاهدها كل يوم، والمهم في ذلك أن ضربة اللون تأتي في مكانها فالمشهد مرسوم في ذاكرته وليست بحاجة إلا للتنفيذ وفي هذا جرأته، وإبداعه وكسره لإلفة اللوحة التي تتكرر مشاهدتها في غالبية معارض فنانينا. فهو يلخص الوجه أو اليد بضربة لونية ولا حاجة لتعديلها بحرفية ذات مستوى عالي في أعماله الزيتية التي أعطت مناخاً أيقونياً لملك مترهل على عرشه وحشود رعيته أمامه يتلاعب قدره بها فتتماوج وتنكسر وتتبدد. نجد أن اللوحة قد أشبعت لوناً لدرجة أن مراقبة تفاصيلها وطريقة بنائها تذكرك بكلاسيكي عصر النهضة. لكن حداثة الموضوع والمعالجة اللونية اللامتناهية التي تدخل في جميع تفاصيل المساحة تكمن أهمية هذه الأعمال ومعاصرتها الطبيعة الصامتة لم تأخذ لديه طابعها المألوف فباقة الزهور تحولت إلى لطخات لونية تعمل معنى الوردة ففقدت صمتها وسكونها وحملت روحه ونبضها الحي.  
عارياته التي قدمها بالمائي حملت شفافية تعجزعنها بقية المواد التي استعملها في أعماله الأخرى فهو من خلالها يقدم لنا فهماً لأدواته وطبيعة استعمالها. الجسد العاري بدا مغسولاً بالماء والضوء وكأنه يغوص في أعماق البحر أو بين أعشاب المحيط أو الحلم المضيء. وفي مجموعة منها يخلق لديك إيحاء بأنك تشاهد أجساد نساء عارية في المطر من خلف لوح زجاجي، إن تمكنه من المادة جعل هارموني الألوان لا يخطئ وإنما تأتي البقع اللونية بأدائها الحر لتتناغم وتشكل جسداً من المساحة المحيطة به. وفي أعمال أخرى يصنع كل اهتمامه بالجسد. أي أن اللوحة تبدأ بالجسد وتنتهي بالمساحات المحيطة به، وهذا ما أعطى إحساساًيتطور مراحل العمل والتجريب في البحث عن أفضل صيغة للتعبير وبالإكريليك قدم الرقص الذي يحبه ويعشقه حتى جاء بتلك الحركة المستحيلة للأجساد، فهو في ذروة الفعالة وإحساسه العميق بجمال الرقص مستعد لكسر حتى المنطق الفيزيولوجي لحركة الجسد الراقص في الواقع وبلعبة الحار والبارد اللونية وإمكانية التوشيح التي قدمتها المادة المستعملة أعطت إحساساً بأن شخوصه الراقصة تواقة للانفلات من أجسادها بل من مجال الجاذبية كله، وقدم أقصى إمكانية للتعبير عن حبه لها وبنفس المادة يعود إلى حشوده التي لا تفارق ذاكرته ولكن بحجوم أكبر وحس إعلاني أقوى وجرأة لونية حادة فتشاهدها وكان وحشاً بربرياً سحقها وعجنها وهوى بها إلى سواد لا نهاية له إلا إطار اللوحة، على خلفية حيادية، صحراء، أو درج، أو مقعد، أو جدار، شاطئ بحر ميت، إنها العزلة في أقصى تساميها، إن هذه الأجساد المغزولة بالألم تعيش عزلتها في عالمها الساكن المحيط بها ربما بصيرته هي ما نراه إن تمكنه وإتقانه لاستعمال أدواته وإمكانيتها البصرية لخدمة أفكاره التي يطرحها بمعنى أن لكل مادة لونية خصوصيتها في مجال التعبير واضح في جميع أعماله فهو يستخدم الإكريليك الباستيل لخلق تأثيرات جديدة في اللوحة تخدم الجو الذي يريد صياغته ورغم تنوع التجارب في هذا المعرض فهو يحمل بصمة فنان واحد غني بأصالته ومجرّب لا يكل.
فما أن يدخل اتجاه حتى ينتقل إلى اتجاه آخر لوجود صيغة أفضل للتعبير، وهو دائماً باحث وحر وجريء.