Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


رائحة الورق جذبتني إلى القراءة  

 

((حكايتي مع الكتاب))
 
الفنان التشكيلي السوري أحمد معلا لـ "بيان الكتب":
رائحة الورق جذبتني إلى القراءة
 
الفنان التشكيلي الدكتور أحمد معلا، أحد أبرز الفنانين في خارطة التشكيل السوري، له حضوره المميز في الساحة الفنية السورية والعربية، من خلال إسهاماته الهامة في السينما، والمسرح، التشكيل، التصوير... نال العديد من الجوائز العربية والعالمية، يعمل مدرساً للفن في كلية الفنون الجميلة.
"بيان الكتب" التقى الفنان التشكيلي أحمد معلا وحاورناه عن تجربته الأولى مع الكتاب وهمومه وعن دوره في الحياة الإنسانية والمعرفية، فعن قراءته الأولى يجيب الدكتور معلا:
        في الواقع كان الكتاب الأول هو "القرآن" إذ كانت جدتي لا تمل من تلاوة وقراءة القرآن فضلاً عن تلك الكتب الصفراء وكانت تحيطها هالة من الرصانة والحكمة والروحانية بالنسبة لذي الخمس سنوات الذي يرقب الحضور الصباحي المبكر لطقس القراءة مما دفعني إلى الانتساب إلى مدرسة الشيخ رحمو التي كانت تعلم الأطفال القراءة في الستينات في مدينة الرقة (شمال سورية).
        في السنوات الأولى للقراءة والكتابة كنا نتباهى بمعرفة قراءة الجرائد والمجلات والكتب وكان ذلك يشكل نوعاً من التحدي على الأقران في الحقيقة لا أستطيع أن أتذكر إطلاقاً الكتاب الأول الذي قرأته، لوجود أخوتي الكبار الذين كانوا دائماً يبددون تلك التفاصيل المتعلقة بطقس القراءة الأولى. المهم أن أمر القراءة ارتبط باكراً بوجود المركز الثقافي العربي (في الرقة) الذي شكل الحقل النوعي الرئيس لمعارفنا الثقافية وعلاقتنا بالفنون جمعاء.
إذ كانت حياتنا مشدودة بعمق إلى المدرسة والتفوق الدراسي فضلاً عن الأمكنة والطرقات التي كانت تشكل مكاناً رائعاً للقراءة خلال الليل.
وبمصداقية عالية أقول بأنني لم أتمكن من قراءة كتاب لأن الجواب على ها السؤال يفترض حدوداً دقيقة ومنهجية صارمة لمعنى كلمة قراءة.
أما عن أول كتاب فكر باقتنائه وحصل عليه، أجاب الدكتور معلا: إن مجرد وجودنا كأطفال ومن ثم كمراهقين خلال أوقات طويلة في مكتبة المركز الثقافي العربي بالرقة كان يدفعنا إلى امتلاك ذاك النوع من الكنز، ولا بد أن حكايات الحافظ أو طه حسين وآخرين عن العلاقة مع الكتاب وبعض التعبيرات والنعوت التي تطلق على بعض الأسماء كأدونيس مثلاً الذي يقول الرجل مكتبة متنقلة.. كانت تدفعنا إلى تبني مفهوم امتلاك المكتبة وربما في وقت متأخر أصبح امتلاك المكتبة كمرجعية وليس فقط كملكية هدفاً في حد ذاته.
كنت مولعاً بمجلدين من مجلدات المعرفة التي تصدر في سويسرا وتترجم في القاهرة وكان ثمنها غالياً بالإضافة إلى عدم وجودها في المكتبات التي تبيع الكتب في الرقة آنذاك، كان ذلك الكتاب باعثاً إلى ارتكاب الحماقة الطفولية المعروفة فقد غامرت بالتسلل إلى بيت جيران لنا، وسرقت المجلدين اللذين سيقدمان لي مع الوقت مرجعاً مهماً، على مستوى المادة المعرفية الكتابية أو البصرية لفن الرسوم التي كانت تملأ صفحات المجلدين، ومما اذكر أن أغلفة الكثير من الكتب كانت تشدني لاقتنائها مثل الروايات التي كان يرسم أغلفتها الفنان المصري جمال كامل.
·        وهنا بادرناه بالسؤال إذا كانت صور الأغلفة تدفعه لتصفح الكتاب واقتنائه ومعرفة كنهه؟
أتذكر عندما اشتريت وأنا طفل ومن نقودي كتاب (لقيطة) لمحمد عبد الحليم عبد الله لجمال الرسم الموجود على الغلاف.
في ذاكرتي الآن صورة لشابة تهبط جديلتها منصفة الغلاف، ومع الوقت تغيرت نظرتي إلى غلاف الكتاب نهائياً إلى درجة أنني صرت أتحاشى الأغلفة المرسومة بعناية.
        شيء حسي آخر كان يلعب دوراً لطيفاً ألا وهو رائحة المطبوعات الروسية الناتجة عن نوع الورق ومواد الطباعة وهو ما سيكون لاحقاً أساساً لي لدراسة التصميم الغرافيكي واهتمامي بالمطبوعات.
·        هل أسس ذلك لوجود مرحلة جديدة في حياة الدكتور أحمد معلا والتوجه إلى الفن البصري؟
كانت اهتماماتي بالخط العربي الذي عملت على إتقانه ومن بعد محاولتي أن أجد تقنيات بدائية للطباعة ومن ثم العمل في المسرح... الخ. تدفعني قدماً للاهتمام بالتصميم الغرافيكي، في حين كان الرسم يرافقها معاً منذ السنوات الأولى لطفولتي، فضلاً عن وجود أخي البكر طلال الذي كان في حقيقة الأمر الدرب المعبدة التي كنت أجد نفسي ماشياً عليها فجيل أخي كان يحمل أسماء (ابراهيم الخليل، عبد الله أوهيف، ابراهيم جرادي، محمد الحاج صالح) هو الجيل الذي أضاء لنا الحقول التي مشينا عليها فقد أصدروا وهم في نهاية دراستهم الثانوية (مجلة الرافقة) وبعد ذلك أسسوا نادياً للسينما وفرقة مسرحية.
في الحقيقة كان المركز الثقافي العربي هو أداة الاتصال الوحيد مع الكون والعالم الخارجي بالنسبة لنا جميعاً، فمدينتي (الرقة) كانت بعيدة عن كل العالم جغرافياً في تلك الفترة، ونافذتنا الوحيدة هي وجود مكتبة المركز ونشاطاته من خلال الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية أو بعض التجارب العربية الجادة (عمر خيرت، عابد عازريه... الخ).
بالإضافة إلى المدارس والمدرسين الذين ساهموا بشكل واضح في دفع حياتنا المعرفية قدماً، فمدرستنا كانت نموذجية إلى درجة عظيمة فيها الكثير من الملاحق الإدارية الهامة (ملاعب رياضية أولمبية، مخابر كيميائية وفيزيائية، وعلوم طبيعية، فرقة موسيقية نحاسية، وأخرى وترية) إضافة إلى مساحة من الحرية الفكرية والسياسية التي كانت تنمو في حقبة بداية السبعينيات، ولا شك أن هذا جميعاً ترك آثاره واضحة في علاقتي مع الفن التشكيلي والثقافة عموماً مما جعلني أنحو نحو معرفة موسوعية الأمر الذي جعلني لاحقاً مرتبطاً بالنشاط الثقافي عموماً بحكم وجودي في دمشق، إذ كنت عضو هيئة تحرير مجلة (ألف)، عضو ندوة دراسة معجم الفنون، مصمم سينوغرافي للمسرح القومي، إذ شاركت في إنجاز مواد فنية للسينما أخرجت وصممت عدداً كبيراً من المطبوعات إضافة إلى مشروعي الرئيسي في الفن التشكيلي من خلال معارضي التي أقمتها تباعاً.
في تلك الفترة قدم الفنان عبد الله مراد هدية لأخي البكر (طلال) كتاباً في الفرنسية عن تاريخ الفن وكانت طباعته فاخرة كما نسميها – والحقيقة أن طباعتها صحيحة وليست فاخرة يجب تغيير التسمية العربية وهذا النوع من الكتب ترك آثاراً واضحة في أعمالي اللاحقة لأنني عملت على نسخ الكثير من اللوحات الموجودة فيه بهدف التعلم والتدرب.
بصراحة لا تزال مكتبتي تعج بأنواع مختلفة من الكتب من اتجاهات وتيارات وأنواع مختلفة منها ما يتعلق بالفن التشكيلي وتاريخه ونقده وصولاً إلى الدراسة السيميولوجية المتعلقة بالصورة وهذه الأخيرة أغلبها باللغة الفرنسية، وتتجاور مع أعمال أدبية في الشعر والرواية لعرب وأجانب منهم من هو هام وآخرون نحبهم، بالإضافة إلى الكتب المتعلقة بالفكر والفلسفة، هذا إلى جانب الدوريات والمجلات التي تهتم بمواضيع محددة.
·        هذا يعني أنك بدأت بتكوين مكتبتك الخاصة بعد استقلالك الاقتصادي أو لنقل بعد انتقالك إلى دمشق؟
لقد لعب الوضع الاقتصادي دوراً لتكوين مكتبة ذات طابع أرشيفي واضح، فما جمعته من كتب خلال المرحلة الجامعية في دمشق كان قد تعرض للتخريب نظراً لظروف تخزينه السيئة، وأثناء سفري لفرنسا لثماني سنوات وما عدت به من كتب هامة بالفرنسية، إلا أنني عانيت كثيراً من المشاكل ذاتها والسبب في ذلك أنني لم أمتلك بيتاً حتى يحتوي تلك المجموعة الكبيرة من الكتب، إلا أنني وقبل سنتين فقط كانت لدي الفرصة للاهتمام بالمكتبة جدياً إلى ذلك جعلوا الأطفال البيت مكاناً ضيقاً وبدأت المكتبة تعاني من عدم الاهتمام الجدي مجدداً نتيجة لهذه الظروف، اليوم لم نهتم بعمق في المكتبة نتيجة للاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة التي بدأت تغزو مكتبتنا بأدوات مختلفة فالاهتمام اليوم يتجه نحو تكوين مكتبة من (CD) لا تحتاج إلى مساحة كبيرة.
·        نظراً لوجودك في فرنسا لسنوات عدة أتاح لك فرصة الاطلاع على أمهات الكتب والإصدارات الحديثة بالفرنسية مما يعمق رؤيتك إزاء مفهوم القراءة وأبعادها الفكرية والحسية والإنسانية فإلى أي مدى عمقت هذه التجربة رؤيتك المعرفية؟
هذا يرجعني إلى السؤال الأعمق عن العلاقة مع اللغة التي تشكل تكويناً ثقافياً ومعرفياً للإنسان، إن اللغة كما تبدو لي اليوم لا تسير ثقافة ما وتحركها فحسب, وإنما تلعب دوراً واعياً في علاقات الإنسان بالعالم.
ولا أتمكن من فهم الترجمة ولا أظن أن هناك إمكانية لنقل نص أي نص إلا بحدود معرفية دقيقة مجهزة ضمن أطر علمية مغلقة، وكل ما عدا هذا هراء، على ما أعتقد وما أتصور وما جربت.
يقع الخلط في القواميس نفسها، لأن ترجمة المفردات هي غير ترجمة السياقات والتعبيرات.
بالإضافة إلى أن الإنسان ينظر إلى الأشياء من خلال جهوزية مسبقة- معرفية امتلكها منذ الأيام الأولى لولادتها عندما بدأ يسمع الآخرين يتحدثون ويسمعون ويقولون، ثم إنه يبدأ عندنا بتعلم الكتابة من اليمين إلى اليسار ويشكل في داخله حقلاً مرجعياً مبيناً من الثقافة التي امتلكها أهله، ولهذا فربما أنظر إلى إنسان اليوم العربي على وجه التحديد إلا أنه تجميع لانفصامات متنوعة كونتها أدوات المعرفة المعاصرة والسيطرة القائمة عليها من المؤسسات والنظم.
تخيل طفلاً.. أمه ماركس وأبوه فرويد وأخته داروين وأخوه أينشتين، ولد في السويد وقارنه بنفسك فستعرف الجواب.
·    مجالات الإبداع تداخلت فيما بينها الأمر الذي أدى بها لأن تكون إبداعات شاملة، فالمسرح يستفيد من التصوير والسينما تستفيد من الرواية والتشكيل يستفيد من الشعر.. ذلك يعني أن الإبداع أصبح هماً وجودياً فإلى أي مدى استفاد الفنان أحمد معلا من تجربته الثقافية لخدم لوحته؟
برأيي إن فنان اليوم يجب أن يكون صاحب مشروع ثقافي، وعليه أن يكون منتجاً معرفياً، دون هذين المرين لا أعرف لماذا يستحق اسم فنان؟
من ناحية أخرى لا أتصور أن أحد منا يمكن أن يمتلك عمقاً إنسانياً ومعرفياً دون الاهتمام بتجارب الآخرين والاطلاع على ما صنعوه في الحياة، ولذلك فمن غير الممكن أن يكون الدور الملقى على عاتق الفنان التشكيلي هو فقط شكلاني، درجة السطحية. فلا تتطور علاقته بفنه دون أن يمتلك عمقاً حيوياً ثقافياً لا يمكن تكوينه إلا عبر الدراسة والقراءة والحوار مثل المياه الجوفية التي تحتاج كل سنة إلى المزيد من المطار والثلوج لتخزين ما سيصرف خلال الصيف.