Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


"لست مشاكساً إنما أسعى لأن أجعل مغامرتي طازجة طول الوقت!"  

 

 
عندما دخلت المقهى ترددت في الجلوس معه، ربما لأنهم حشوا رأسي بوصفهم له بأنه مشاكس!.. لكنني عندما حييته دعاني بوداعة إلى احتساء القهوة، فجلست وأنا أقول:
-       يصفونك بأنك مشاكس ما رأيك؟!
قال:
إن روحي تسعى دائماً إلى المشاكسة، فالاكتشاف يجعل المغامرة طازجة طوال الوقت، ويمنح الفن أغزر ما فيه من خصوبة!
قلت: لم أفهم.
قال: إن الفراشي وزيوت الألوان والمواسير المصنعة هنا وهناك كانت تكرس تقاليد معينة وتبارك عادات خاصة وأنا أرفض ذلك، وأجرب إضافة المزيد من الجديد في الحركة التشكيلية السورية، في محاولة مني لرفض فكرة أن تتنزه شمسنا في خرقة!!. فإذا كان ما أفعله مشاكسة فإنني معتز بذلك طلبت من الفنان أحمد معلا أن يريني شيئاً من صور أعماله، فقال وهو يخرج (ألبوماً) صغيراً من محفظته: إن مشكلة المشاهد اليوم هي أنه يتعامل مع التجارب المعاصرة بمفاهيم المراحل السابقة:
يجب أن ندرك أن طموحات فنان القرن العشرين قد تجاوزت التشخيص والمماثلة وتقنياتهما وصولاً إلى حقول الابتكار والخلق حيث تعيش مخيلته وأحاسيسه مجموعة من المعطيات والقيم التي نمت تاريخياً لتؤهله للرسو على ضفاف جديدة!
وضحك "أحمد معلا" وأضاف أن بعضهم يرفض فهم ما أقول وهذا أفضل لي!!
قلت: حسناً... أريد أن تحدثني عن طريقتك كمدرس يعلم أصول فن التشكيل لطلابه.
أجاب: إنني أدرس في قسم الاتصالات البصرية، وقد عملت على تخليص طلابي من التعامل التقليدي مع الأفكار والمواد المستخدمة والتقنيات المعروفة محاولا التأكيد على أن ما ينقله القلم من أفكار هو غير ما يمكن أن تنقله الأدوات الأخرى كالفرشاة أو المشرط أو المواد اللاصقة.. واجتهدت معهم من أجل استخدام مواد غير مألوفة من أجل تصنيع صور ومواضيع بصرية محاولاً طوال الوقت دفعهم لاستنباط آليات تفكير مغايرة للمألوف في بحثهم عن الإنجاز البصري!.. ثم يجب ألا ننسى أن هنالك في العالم اليوم ثورة سمعية - بصرية، والأمر يتعلق بكل بساطة بوسائل الإعلام المعاصرة وقدرتها على تحقيق تأثير ثقافي عميق من خلال استخدام الأقمار الصناعية ودخول الحواسيب في كل المجالات، وكذلك من خلال السيطرة على حركة نقل المعلومات والأخبار!
كانت الفكرة التي أملاها عليّ البعض عن شخصية أحمد معلا (المشاكسة) قد بدأت تتغير في ذهني تماماً، إذ شعرت بمدى ثقافته المتفتحة على العلم والحياة، وكذلك بأسلوبه المقنع في عرض أفكاره، فسألته بمزيد من الفضول:
    - ما هي قصة معرضك "ميرو... في ثلاثة أبعاد" وهذا الذي ستقيمه في الثامن من كانون الأول من هذا العام في المركز الثقافي الفرنسي؟!
-       بعد قليل من التفكير أجابني الفنان أحمد معلا مبتسماً
-   إنها تجربة جديدة من نوعها، ليس في بلدنا فقط، ذلك لأنني سأهدف من هذا المعرض إلى تحقيق معايشة المشاهدين لفن (ميرو) وليس لمجرد مشاهدته!... إنكم – يعني المشاهدين- سوف تكونون جزء من اللوحة ستعيشون في جوفها، ستتجولون بين عناصرها ضمن الحجم المخصص للمعرض، ستغوصون في (ميرو) ولن تكونوا مجرّد زوّار طارئين، ألم أقل لكم إنها تجربة جديدة؟!
ثم قال: إنني أحاول أن أتمثل ضمير تلوينة فنية تسعى إلى المزيد من الحرية والتطور، قد أخفق في أشياء، ولكنني سأظل حريصاً على التخلص من النموذج المحضّر مسبقاً، إنني لن أحيا إلا مرة واحدة، وأظن أن ما يميز صوتي هو صدقه!
طالت بنا الجلسة، وتشعب الحديث، بينما كان يحيينا بين حين وآخر بعض من كان يمر قرب طاولتنا في المقهى فتنهد الفنان أحمد معلا، وقال:
لست أدري لماذا أحس بأن تحياتهم تلفظ محملة بالعتب أو الاستشفاف، بالقهر أو التنسك، بالألم أو الوجل، لا شيء يحمل مضمونه في هذه الأماكن العامة... إن أساليب النطق واللفظ لا تهدأ عن ابتكار ما لا يعقل!
وعندما انتقلنا إلى موضوع آخر قال أحمد معلا:
إنني لا أحب "التفرّد" في شخصية الإنسان، لكن ما يغيب صفة التميز بين الناس في مجتمعنا هو تداخلها بعلاقات معقدة تصل حتى إلى العمات والخالات، فالستائر ليست لحجب رؤية ما في الداخل فقط، وإنما لشقها والتلصص من خلفها على ما هو ليس بالسري، لكنك إن أبحته أفقدته سحره!!
كيف تسمي الابتسامة ابتسامة، وقد تحمل لك الويل وإن صارحت صرت غير لبق وسوقي وعدواني وهدام. كل يحمل قوس قزح ويوزع في أواني الآخرين اللون المناسب الذي لا يعكر ولا يزعج!.. كل يعطر نتنه ومن أين لك أنت أن تشم ما لا يريد الآخر إيصاله لك؟!
قلت: هل من نقد تشكيلي في بلادنا؟
قال: هنالك محاولات لممارسة النقد ولكنها لا تزال رهينة اضطرابات تتعلق بكثير من المعطيات: النزعة الفردية، المنبر المناسب، المشاركة المستمرة، تحقيق المصداقية، الانتماء إلى بنية أو شريحة...
ما رأيك بفاتح المدرس؟!
إن العلاقة مع تجربة فاتح المدرّس تتجاوز الرأي إلى ما يمكن أن يسمى بالمعايشة فتجربته بالنسبة لي ولأجيال عديدة من التشكيليين في بلدنا حياتياً وفنياً فرضت نفسها كما يفرض قاسيون نفسه على دمشق، فإن أحببناه أو كرهناه فإنه نقطة سمت تمكن كل منا من إدراك موقعه.
كانت الساعة قد جاوزت الحادية عشرة صباحاً فتبادلنا نظرات تعني أننا قد تأخرنا عن أعمالنا، فما كان منا إلا أن خرجنا من المقهى بعد أن ضربنا موعداً للقاء ممتع آخر.
                                            
                                          حسين راجي