Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


دائم البحث عن صيغ جديدة وأشكال تصدم المشاهد   

 

أحمد معلا: اليقين التشكيلي مضر للغاية بالجانب الإبداعي للفنان
 
دمشق –من نجيب نصير:
لأعمال أحمد معلا الفنية وقع خاص، فهو دائب البحث عن الشكل الجديد ودائم القفز في القادم المجهول. يعشق زيارة المناطق الغامضة فترى في لوحته ذلك السؤال المتألق عن بقايا واقع تفتت على القماش الأبيض ليعيد صياغة ذاته بأجوبة لونية أقرب إلى الصدمة منها إلى الإدهاش. وهنا حوار معه.
·    تأتي أعمالك دائماً لتخلخل السياق التشكيلي العام فلا يتوقع المشاهد أي عوالم وأي لغة بصرية ستهبط عليه. فما هي القوى التي ترميك في هذه الدروب؟
لم أسع في أي من تجاربي إلى تكريس شكل تشكيلي، بل أبذل ما في وسعي لتكريس مفهوم تشكيلي قائم على الإبداع والابتكار. فالمعرض بالنسبة إليّ ليس مجموعة من الرسوم الملونة المعلقة على جدران صالة مفرغة خصيصاً لهذه المهمة، وإنما محاولة التعبير عن القدرة التي يمتلكها الإنسان. قدرة السؤال وقدرة البحث وقدرة التجريب.
كثيراً ما يسعى الجمال الذي يطغى في أحد الأعمال إلى فرض نفسه كنموذج أو نمط للعمل، وكثيراً ما ينضبط رسام أو مصور بحدود هذا النمط أما أنا، فعندما أحس أن نموذجاً يحاول فرض نفسه، أقوم مباشرة بالخروج عنه في لوحة أخرى. فاليقين التشكيلي مضر للغاية بالجانب الإبداعي للفنان، ما يدفعني طوال الوقت إلى تكريس أحاسيسي ومشاعري وقدراتي على المشاهدة، في عملية امتصاص مختلف أو ممكن لصورة جديدة، فتصبح العملية التشكيلية خارجة عن حدود الوظيفة إلى حدود المغامرة والاستشراف والرؤية.
  • لكن حالة الطغيان هذه متعبة بشكل يقود إلى الجنون بطريقة ما، فإلى أين تريد أن تصل؟
فلتقد إلى الجنون أو إلى المصيبة حتى ليس في عملية الإبداع درب صحيحة، إنها السير بين أشجار الأخطاء، ودروب الأفخاخ. إنها السباحة في المياه العميقة حيث تتحول الأفكار إلى أسماك ضارية. علاقتي مع اللوحة قائمة على الحرية، والحرية تكتنز الخوف من أراضيها: الخوف من المجهول، وما يصنع متعة العمل الفني هو اقتحام هذه المجاهيل. ما لا أريد الوصول إليه هو الاستسلام إلى نموذج أركن إليه وأسكن فيه. إن ما ينمح التشكيل هذه السطوة في روحي هو أنه لا يتهمني بالجريمة إن ذبحت الشكل.
·         هذه الحرية قد تصفع المشاهد وتفزعه لدرجة قد يحاول إعادة النظر بطريقة المشاهدة. كيف لك أن تعقد هدنة ما بينك وبينه؟
لا أظن أن المطلوب من الفنان والفعل الفني إقامة هدنة مع المشاهد. فالمتفرج – عموماًَ- يعقد هدناته مع القوانين والنظم الاجتماعية نتيجةًَ لضرورة الانضواء في تيار الحياة. أما مع العمل الفني فالأمر مختلف تماماًَ. الثقافة تحقق إبداعاتها ونقلاتها وتطوراتها وقطيعاتها من خلال العمل الإبداعي بشكل عام. واللوحة جزء من هذا النضال المستمر الذي يمنح المجتمع صفاته الزمنية. وربما من خلال هذا اللبس عانت قضايا التراث والمعاصرة كثيراً من الإشكالات. لقد حفل الفن الآشوري بروح الشعب والثقافة الآشوريين بحرية كاملة من دون الحاجة إلى وجود تنظيرات عن فن قومي. إنني أنتظر من المشاهد الكثير من التأمل فلم أحدد دروباً معينة ومحدودة حتى لا أصادر تنوع قراءته للعمل. أما الحاجة إلى إعادة النظر، فهي ضرورة حيوية للإنسان، ومن غير الممكن أن ننظر إلى القمر اليوم بالطريقة نفسها التي نظر إليه إنسان الأرض المنبسطة.
·    يقودنا هذا إلى موضوع تباين تجربتك في كل مرحلة عن سابقاتها، ففي كل معرض تقدم لغة جديدة. ألا تعتبر هذا تبايناً في الأداء أيضاً، وتحولاً في الشخصية التي تقول أنها قابلة للقضاء عليها؟
تسميتك "تبايناً" تجاربي الماضية فيها الكثير من التعسف، فالمعرض الأول حفل بالمشاهد البصرية الواقعية وبالبحث التشكيلي الطامح إلى رسم الأشكال بتنوع يثري العلاقة مع الموجودات. واكتظت اللوحات بمجموعة من اللحظات في المعرض الثاني، صارت كل لوحة تمثل لحظة واحدة وكأن الرؤية اقتربت. في معرض حلب الموازي لمعرض دمشق بقيت الرؤية مقتربة، إلا أن حركة الريشة نزعت إلى مزيد من القوة والجرأة، هذه المرة صار اللون مع حركة الفرشاة موضوعاً بحد ذاته. إن الروح هي التي تضم هذه التجربة وليس الشكل الظاهر على سطح العمل.
قلت منذ البداية إنني أسعى إلى تكريس مفهوم تشكيلي قائم على الإبداع والابتكار، وليس إلى شكل تشكيلي. كل معرض بالنسبة إليّ تجربة كاملة بحسناتها وهفواتها، هو محاولة أو مغامرة – أو لنقل طريقة تنزع إلى تعميق البحث ووعي الفعل.
·    في "هذه المرة" تنزع إلى مفردات لونية تسمح للوحة بإعادة تشكيل ذاتهامرات عدة انطلاقاً من حركة جوانية، هل أردت صياغة الواقع بصيغ شديدة التأويل؟
لم يعد مهماً أن تكون صياغة للواقع، بقدر ما حققت واقعاً جديداً. عملت على تجاوز الكثير من الصياغات الواقعية ومع ذلك سقطت في فخ الواقع مراراً. المفردات التي تتجمع في صياغة واحدة أفرزت مشهدية تسمح لنا بتناولها من خلال قدرتنا على الإمساك بها، انطلاقاً من معطياتنا نحن. ولهذا السبب أرفض أن أعطي اللوحات أسماء ما، فالأحمر الصاخب في إحدى اللوحات يترك غناءً مريراً لأمرهم، وقد يمنح دفئاً خاصاً لعاشق.
·    في حركة الريشة وكثافة اللون أشياء تفضح علاقة ثقافية شديدة العمق مع مكونات المشهد المعرفي (شعر، تاريخ، سياسة، فولكلور... الخ).
نعم، لكن اللون أخرس، وغياب الأشكال يخفي تفاصيل الحدث ولا يبقى لك سوى ذاكرتك واستشرافك ورؤاك، ومن خلالها فقط يمكنك لمس النبض الذي يدفع بالحياة فيما لا يبدو واضحاً. النظر إلى بقعة من الماء على سطح نهر يكفي للبدء في امتصاص تراجيديا، أو حدث ما آخر. المزيد من التأمل قد يجعل من هذا المكان قبراً لغريق شاب، أو صفيحة من الألق الذي يلف جسد الحبيب، وربما صورة لفكرة ما تزال غائمة.