Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


جداريات المعلا حكائية ونزعتها حادة نحو التمرد   

 

مدحت علام
 
جمهرة الناس في لوحات الفنان الدكتور أحمد المعلا ليست جمهرة عادية بقدر ما هي اضطرابات ومفارقات وإشارات لا تخلو من الانسحاق في آتون الواقع الذي جرده الفنان من مكانه وزمانه ورسمه بصورة موحية وقادرة على تعريته والسخرية منه، فمعرضه الذي افتتحه الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور محمد الرميحي ضمن احتفالية العاصمة الثقافية وحضره السفير السوري لدى الكويت وعدد من السفراء والدبلوماسيين في قاعة الفنون بضاحية عبد الله السالم مساء أول من أمس "الاثنين" يشي بقدر كبير من الجرأة في الولوج إلى مناطق رؤيوية متكملة، وكانت الوقائع البصرية التي رسمها ودينامية الحركة، وحينما تلتفت إلى إحدى جدارياته سترى العديد من التحولات النفسية التي تنقلك إلى جوانب مشحونة بالتحديات والكشوفات والأداء المتناسق، كما أن اعتماده في بنية أعماله على استدعاء الذاكرة أسس لمنهجه التشكيلي منظومة حكائية لا تشبه المسرحية أو العمل الدرامي ولكنها حكائية قريبة من واقعنا المعاش رغم التجريد الذي أخضعه الفنان لرؤيته هذا التجريد المستمد في الأساس من مفردات تشكيلية متولدة من مصادر اجتماعية اختزلت الحياة في لوحة مليئة بالتراكيب العقلية، واستخدام تقنية المنولوج الداخلي، وعلى هذا الأساس كانت الصدمات الشعورية الصادرة من رؤية اللوحات عنيفة متدفقة بالإيحاء والتكثيف، ولقد نحى الفنان بلوحاته منحى فنياً اشتمل على حوارات تجسد حالات مواءمة لتجربته الفنية التي صاغها بأسلوب اختلط فيه الواقع مع الخيال بحميمية اتسمت بالثراء والجاذبية، وإن الوعي الضدي بما يتضمنه من رفض وتمرد على الواقع دفع ريشة الفنان إلى رسم منولوج داخلي طرح من خلاله أفكاره وآراءه مع التجائه إلى خلق عوالم مغايرة للواقع رغم محاكاتها له، وتناقضها معه إلا أن مشاهده الوقائعية كانت منفصلة عن بعضها رغم اشتراكها في نسيج اللوحة ما أسهم في تعددية الحوارات والدلالات.
 كما نجح المعلا في استخدام "الأكريلك على قماش" في توليد شحنات حسية على أنسجة لوحاته ومن ثم مناوشة الواقع من أجل الحصول على فرجة تشكيلية محكمة ففي إحدى لوحاته جسد الفنان رؤيته للفوضى الاجتماعية والعزلة الوجدانية والحسية بين البشر من خلال مشاهد واقعية فهناك مشهد لقرد أخذ ملامح آدمي ينظر من على طاولة مرتفعة على بشر ملتفين حول مائدة وآخرين مشغولين بأنفسهم، كما عبر عن رؤيته للماضي في صورة رجل معمم محاط بآخرين لا تربطهم صلة به أو ببعضهم هذه الصور المتلاحقة تضمنت مفاهيم تبدو وكأنها مشاهد تجسد سيرة الواقع وتحكيه بشكل تفصيلي وبلا رتوش أو مواربة، فازدحام اللوحة الواحدة بالأشخاص في لقطات يعتريها الغموض أحياناً والوضوح في أحيان أخرى تنشي بالمدى الذي توصلت إليه الحياة من قطعية وعزلة، ثم يقترب الفنان في لوحات أخرى بالماضي بشيء من الحذر لذا فإنه يحاول استحضار حلمه الذي طالما كان مغيباً من أجل منح الواقع معنى، ومن ثم فإن الفنان لم ينقطع كلياً عن الماضي وفي نفس الوقت لم يغرق أعماله في قراءة المستقبل أو العيش على ما يجود به الحاضر من معطيات، إنه التمرد الذي استوجب على الفنان أن يجاري شراهته وتزاحمه المفرط على مخيلته، كما أن تنقلاته من مشهد إلى آخر كان محكوماً بتقنية فنية حادة النزعة من أجل خلق متناقضات وجدليات أراد أن ينقلها لنا بإيقاعاتها السريعة التلقائية بلا أن يتدخل في حدتها، هكذا... تجمهرت الوقائع في جداريات المعلا بناسها ووجوهها وتناقضاتها ولم يترك لنا فرصة ننفلت بها من قبضة حكائياته الواقعية الخيالية إلا ونحن منغمسون في عناصر اللوحة باحثين عن موقع لنا عليها، من أجل المشاركة في هذه الملحمة الحياتية، التي اتسمت بالقدرة على تحريك النفوس والإنسراب الكلي في آتونها، إن المعلا بصياغته النابضة بالحركة لأعماله التشكيلية يعد من الفنانين القلائل الذين تحدوا أنفسهم في سبيل كسر جمود اللوحة وتحريك سكونها من مجرد عناصر وألوان إلى شخوص تتحرك على أرض الواقع وتمارس تناقضاتها ودلالاتها، ومن ثم حرص الفنان على إعطاء معرضه رؤية مغايرة على سبيل كسر هذه الحدة من خلال نثر أوراق الجرائد بعد تقطيعها أسفل اللوحات المعروضة ونصب شيء أشبه بالخيمة في وسط قاعة العرض هذه الأشياء التي أضافها الفنان لمعرضه ساهمت في خلق جو جديد وغير مألوف للمتلقي من أجل أن يحس بالتجديد فيروح المعرض ويقبل قراءة ما تفرزه من إشارات، يبقى أن نشير إلى الفنان السوري أحمد المعلا قدم ستة معارض شخصية في بعض الدول العربية والأجنبية كما شارك في العديد من المعارض العالمية، وحاز على الجائزة الأولى في مسابقة مدينة كيل بألمانيا في العام 1988 والجائزة الكبرى في بينالي اللاذقية في العام 1999 وله إسهامات أدبية ونقدية أخرى.