Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


أحمد معلا يرسم" تحية إلى سعد الله ونوس"  

 

إلياذة بصرية في مناخ دانتي
دمشق: " الكفاح العربي"
دائماً، يسعى أحمد معلا إلى كسر المألوف، بهدف إيجاد علاقة جديدة، بين إنجازاته الفنية والمتلقي. فهو منذ بداياته التشكيلية، يعمل على إشكالية جمهور اللوحة، ويطرح تصوراته لها. هذه التصورات لا تأنس كثيراً إلى الجدران، أو تقديم الأعمال المعلقة، بل تحاول دائماً خلق علاقات تشكيلية مع فضاء صالة العرض كلها وإدخال المتلقي (المشاهد) في لعبته الفنية، وهو بذلك يستعير من الفنون الأخرى، خصوصاً بعض التجارب المسرحية، التي حاولت الوصول إلى علاقة متينة بين العمل الفني ومشاهده تختلف عما هو مألوف ومتراكم عبر مئات السنين، لكنه يعيد صياغة العلاقة تاركاً بصمته. وبدا ذلك واضحاً عندما قدم معرضه المستقى من أعمال ميرو، بأبعاد ثلاثية.
اليوم يختار أحمد معلا عالم سعد الله ونوس، ويقدم تجربة جديدة يضيفها إلى رحلة بحثه الفني.
ماذا عن هذه التجربة التي يقدمها في "صالة الأتاسي" بدمشق. وماذا يقول عنها أحمد معلا. ولماذا هذه التحية لسعد الله ونوس دون غيره. وهل ثمة وجهة نظر في الفن التشكيلي لدى سعد الله ونوس... هذه الأسئلة نحاول الإجابة عنها في هذه المادة المستقاة من المواد المنشورة في دليل معرض أحمد معلا "تحية إلى سعد الله ونوس".
في حواره مع الدكتورة ماري إلياس، يشير سعد الله ونوس إلى أن "الحياة الفعلية تتم، وتدور في دهاليز مظلمة وغامضة في دواخل الأفراد، وفي متاهات العلاقات التي تبدو غامضة وسرية أحياناً وغير مفهومة". وهذه الحياة الفعلية "هي التي تشكل الدافع والهاجس الأساسي، وفي الوقت نفسه، تحفّز كل شخص منا للتمظهرات التي يظهر فيها في العالم الخارجي، هذه الحياة الحقيقية، هذه هي الحياة الفعلية التي غالباً لا يكشف عنها، والتي تستبدل بحياة مظهرية خيالية مليئة بالأكاذيب والمظاهر".
ويضيف ونوس: "إن مهمة الفنان أن يبحث عما هو عميق وحقيقي، كي يدرجه في عمله الفني" و"هذا يتطلب أن يغوص الفنان أو الكاتب إلى الأعماق، إلى أعماق الفرد والجماعة".
وعن الرسام في هذا المجال يضيف ونوس "الرسام ليس مهمته القول، ولا يحاول التواصل مع مشاهديه عبر الأفكار والمقولات. إن تواصل الرسام مع المشاهد هو نوع من التماس الكهربائي يحصل دائماً، وبصورة فردية، حين يجد ألم شاهد في اللوحة ما يلامس هاجساً أو ذكرى أو مذاقاً أو شوقاً". ويتابع ونوس، "أعتقد أن للرسم خصوصيته. والتجديدات الكبرى التي عرفها الرسم، إنما كانت في نقض كل ما هو إصطلاحي فيه، المحاكاة والمنظور والألوان. أينبغي هنا أن نعدد تجديدات الانطباعيين، أو أن نذكر أن فناناً مثل بيكاسو قد أوجد بمفرده عالماً مبتكراً من الأشكال والألوان والرؤى. أعتبر أن لهذه الفنون التعبيرية خصوصيتها، وأن المفاهيم ليست أدواتها، ولذا فإننا لا نستطيع أن نطالبها بموقف ومسؤولية تجاه ما يدور في مجتمعها. في حين أن الكاتب ما دام يستعمل اللغة فهو مسؤول عنها".
تلك هي بعض من مقتطفات حوار الدكتورة ماري الياس مع سعد الله ونوس، وفيها بعض من وجهة نظره في فن الرسم وعلاقته بالحقيقة. ولكن أين يقف أحمد معلا من هذا؟ ولماذا جاء بفنه إلى المسرح وحصراً مسرح سعد الله ونوس.
يقول أحمد معلا، إن علاقته بالمسرح قديمة، بدأت منذ كان صغيراً على ضفاف الفرات الذي علمه كيف يكره المستنقعات، وهناك في الرقة... كان بيتهم مرسماً ومسرحاً ومكتبة وملعباً، تتبدل اللقاءات فيه بين الشباب المتطلع إلى أطياف ثقافية واسعة. وفي هذه الأجواء "وجد المسرح نفسه يمتلك حيزه، كونه الفن الوحيد الذي يتطلب مشاركة يجد الجميع فيها فرجةً يتمثلها ويقدمها، وهو الوحيد الذي يمنح الإحساس القدرة على إثارة المشاعر المتشابهة عند حشد". وقد تطلبت العلاقة بالمسرح صلابة وتضحية، لكن عندما خرج المسرح إلى الشارع، حاربه المسيطرون على شؤون الحياة في تلك المدينة، فانفض جمعه، ومنهم أحمد معلا، الذي بقي مخلصاً لفنه التشكيلي الذي يرتكب أخطاءه فيه، ورغم هذا بقي بحثه التشكيلي محكوماً بمحاولة طقس تشكيلي يحتاجه المشاهد في مناخ مغاير، ومبنياً على إنتمائه للإبداع والتجريب، ومحاولة ضبط وتكثيف تجربته دون الوقوع في يقين نهائي.
وكي لا يُساء الفهم، فإن أحمد معلا يوضح بأن هذا المعرض ليس قراءة لأعمال ونوس وليس رسوماً توضيحية لها، أو استيحاء لشخصياته المسرحية أو مقاربة لأفكاره، وإنما "تأخذ التحية معناها من قيمة الأداء المباشر على سطح اللوحة والتقسيمات المنظورية التي تتجاوز فيها أو تتطابق، من تجهيز الفضاء المعرضي، واستخدامات الإضاءة والموسيقى وأسلوب العرض إلى جانب  التقشف اللوني، والتفاعل البصري للانسجام والتناقض، ووحدة المجموع التشكيلي والبحثي، والأفق الذي يطمح إليه من الإنجاز التنصيبيINSTALLATION"" وأبعاده الفنية".
ويضيف: "تأخذ التحية قيمتها من أدواتي كمصوّر ومنصّب، ومن فعلي التشكيلي، ومن قدراتي على الخلق والتحقيق ومن حساسيتي لما يدور حولي، ومن تصعيدي لما يعتمل في داخل جلبة صور تتخمر منذ مدة، فأستبدل الخطوط بحقول من الضوء والعتمة، تختزل الحضورات إلى ضربة بسكين عدوانية وموت وعنف، ضراوة وعذابات، غضب يحتقر الضعف ويرفع يدي نحو فراغ اللوحة".
ويضيف الفنان أحمد معلا:
"إما نتقاسم جميعاً سعد الله ونوس المكان والزمان والمجتمع والثقافة والأحداث؟ وإن لم تمعنا صداقة حميمة في الصورة، إلا أن التعاطف يأتي من كم المشاعر والأحاسيس المشتركة، وإيقاعات امتصاصنا للخيبات والمرارات... هي تحية لدأب المبدعين وصراعهم في سبيل مشروعهم مع الضنك واليأس والمرض والألم، الموت، من خلال سعد الله الإنسان".
وفي إعلانه عن التحامه بقافلة المجانين، يقدم الشاعر نزيه أبو عفش قراءته لأعمال معرض "تحية إلى سعد الله ونوس" حيث يبدو مع معلا وهو "يتسلى بصياغة حياتنا، كأنه يبتدع كابوساً تعجز روح الإنسان عن احتماله والنهوض به، إنه- بدل أن يشرع في استنباط شرارات النار الأولى التي أبدعها الإنسان بذكاء ذراعيه وخوف قلبه - يعيد اختراع الظلام!... إنه، بدأب لا يليق إلا بالأبالسة أو القديسين، يحك الخشب على الخشب ليهدي العالم أول جنين للخوف: يهديه... بصيص ظلام".
وهذا المعرض من وجهة نظر أبو عفش، عمل أوبرالي أشبه ما يكون بإلياذة بصرية تنهض في مناخ دانتي يمزج الجحيم بالفردوس. وهو عمل مزيج من خيال شاعر وخيال مجنون، تتنوع فيه الدلالات وأدوات التأمل، فتتنوع بالتالي، صياغات الروح وصراعاتها، وكائنات أحمد معلا تعيش جحيمها باندفاع وطلاقة وحرية تكاد تصيب عقولنا بالدوار. إنها- إنهم- أحرار في أن يكونوا تعساء أو مجانين أو حتى أسرى في أقفاص أو فضاءات أو معسكرات موت، وأمام هذا الكابوس الجهنمي، يقول أبو عفش: "نشعر أننا نسبح في ماء أسود نتنفس هواء أسود نتنصت إلى غناء أسود... ونعلك لقمة سوداء. نشعر أننا أسرى فظاعة وذعر وفقدان أما، أسرى عالم لا يترك لنا من الخيارات إذا استثنينا القبر غير الجنون: أسرى ظلمات".
هذه جولة مع عدد من الرؤى لهذه التجربة الفنية الجديدة التي يقدمها أحمد معلا في معرضه "تحية إلى سعد الله ونوس"، والتي تندرج كسابقاتها في إطار عمله على أن لا يقع أسيراً لليقين النهائي.
متابعة: عمار مصارع