Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


أحمد معلا في تجربته الجديدة..اللون يأتي من داخل أعيننا  

 

أحمد معلا في تجربته الجديدة..اللون يأتي من داخل أعيننا
 
الفن لعبة: أساسها أنني كمتفرج موافق على الدخول فيها، لكن هناك فنانين يطمحون إلى إلغاء المتفرج ليدخل هو الآخر اللعبة مع الفنان ذاته. أحمد معلا في معرضه الذي افتتح أمس يدخل هذه اللعبة مجدداً بعد "ميرو بثلاثة أبعاد" الذي يدخل فيه المتفرج ليصبح هو الآخر جزءاً من اللوحة وأصبح من الضروري وجود متفرج آخر ربما هو الفنان نفسه كي يشاهد التغيرات التي تطرأ على اللوحة التي أصبح المتفرج منها.
في معرضه الجديد هذا يطمح معلا إلى أكثر من ذلك إلى تقشير ذوات الإنسان وتقديمها عارية.. صلبة.. قاسية.. لينة ومطواعة ربما، وهو بذلك يكون يقدم لنا ذاته مجردة ومقشرة إلى أقصى حد ممكن دافعاً المسألة إلى الذروة قائلاً: ألا تريدون مشاركتي عملي.. إذن سأدعوكم لمشاركتي رغماً عنكم.. يترك لنا معلا إمكانية الحلم.. وفسحة من الخيال.. كي نعيد معه رسم معرضه.. من خلال طموحه أن يضعنا في شروط تجربته وأن ننتقل من خلال شخوصه لنعيش ذوات متعددة لها طموحات واسعة في الحياة.
 ما تقدم ليس سوى رؤية شخصية وليس نقدية بأي حال لمعرض أحمد معلا الجديد وهي انطباعات مشاهدة لمرة واحدة... كان نتيجتها الحوار التالي وليس فيه سوى سؤالين فلا أدري إن كان يصلح بذلك لأن يكون حتى حواراً. والغرض الأساسي منه هو إلقاء الضوء على التجربة الجديدة...
  • ميرو بثلاثة أبعاد كان اللون والفرح وطريقة العرض تمثل حالة جديدة في التشكيل... اليوم معرض تحية إلى سعد الله ونوس بالأسود والأبيض فقط.. هل فرض الموضوع اللون.. أم ماذا؟!
أولا، هذا المعرض هو تكثيف لتجاربي من عام 1988 إلى الآن، طوال الوقت كان الرسم يشكل عنصراً رئيسياً في الفعالية التشكيلية إلا في معرض 1993، عندما ألغيت الرسم، كانت الرسوم في معرض 93 موجودة. كجموع من البشر تهرب.. كانت أصداء حرب الخليج..
عندما حاولت تطبيق هذه الرسوم بلوحات رأيت نفسي أدع، بنتيجة السرعة، الرسم لصالح ضربة الريشة وإيقاع اللون، فافترقت عن الرسم الأساسي، وصار العمل مجرد بحث في اللون والتجريد، هذه المرة أحاول تكثيف كل التجربة، مما خلق كيفية إمكانية تقديم الرسم الخاص بي دون أن يلعب اللون دوراً يخفي الرسم أو يساعده على أن يقدم نفسه، وتركت الأسود والأبيض أن يصنعوا ألواناً جديدة... بسماكة الخطوط.. أو رقتها... قساوتها.. أو هندستها الخ..
قد تكون هذه التجربة في الرسم مفتاحاً.. أو بوابة للعمل باللون، لكن أهميتها جاءت بالنسبة لي من خلال استخدامي لأدوات جديدة على مساحة كبيرة لأن الأعمال بين 2×2.5 متر و4×205 متر زائد أن العمل كاملا له وحدته من خلال موقعه" التنصيبي" مع سعد الله ونوس باعتبار المعرض تحية له.
فالأسود والأبيض هما عنصران حيويان في المسرح من جهة.. وهما من جهة ثانية يشكلان بالنسبة في عالماً داخلياً يخصني.
في الحياة يوجد الضوء، أما اللون فيأتي منن داخل أعيننا، وبالتالي محاولة أن أقدم معرضي بالأسود والأبيض هي محاولة ترك فرصة للجمهور أن يقوم بالتلوين بنفسه.
النقطة الثانية: يوجد عنصر ثان يشكل استمرارية الفعل كتجريب تشكيلي يتأتى من الرسم بالأسود والأبيض... حيث عتمت الصالة بشكل مطبق.. وأعدت نحت واستخراج هذه الأشكال من خلال تسليط أول ضوء داخل الصالة.. بعد ذلك من خلال استخدام الإضاءة في الصالة كلها خلقت مناخاً بإيحاءات معينة.
أنا حاولت أن أقشر الإنسان كي أرى ما بداخله.. وأعيده إلى عالمنا.. تركت حبات الحنطة كي تنمو داخل التراب الأسود..
بالتالي الأسود والأبيض يتحول إلى نور وظلمة.. العناصر الأربعة التي تكون الحياة موجودة وأعني: الماء والنار والتراب والهواء، وهي تشكل عالم المعرض بين التهكم والألم والحداد والانقباض.. وهذه الأعمال مرسومة من خلال خبرة 30 سنة زائد أسبوع عمل.
إن كان ميرو أو هذا المعرض فهما يصبان بهدف واحد هو أننا كبلد ومجتمع جديرون بالحياة في القرن الحادي والعشرين ونمتلك من القدرة على إبداع ومسايرة العصر ما يلغي مناقشة مسألة عدم انتمائنا إلى التاريخ.. إلخ.
لأنه بالتأكيد على مستوى العلوم هناك أزمة في مسايرة العصر، لكن على مستوى الإبداع الفني لا أتخيل إلا أننا موجودون.
ميرو جاء في إطار فتح فسحة للشباب في سورية أن يتعرفوا على تجربة عالمية، وبنفس الوقت من خلال حامل لمجموعة أفكار وتعابير تشكيلي "تنصيبي"  ضمن ثلاثة أبعاد، يشكل هدفاً عميقاً بالنسبة لي نتيجة إحساسي أن الحركة التشكيلية جامدة ونموذجية، إنها حركة دون أخطاء لدرجة أنها ثابتة ومضطرون لتسميتها حركة بالكلام وليس بالفعل.
هذه المرة هي أيضاً محاولة لإثارة ذات الموضوع برغبة عميقة باستشراف آفاق الجديد دائماً.. وهي بالنسبة لي تشكل عنصر شخصية عملي التشكيلي.
سابقاً كان يوجد سيطرة ذهنية أنه يجب على الفنان أن يكرر نفسه كي يخلق شخصيته، وهذا أدى إلى ابتسار القدرات الخلاقة وأساليب التعبير وفرصة التنويع وآليات تقديم الجديد لدى أغلب الفنانين.
ربما في أوروبا كان هذا مقبولاً على أساس أن (الغاليري) مسؤولة عن التسويق لهذه الأعمال وهي تطالب الفنان الانضباط بعمل معين وبأسلوب معين من أجل تقديم ذات البضاعة وإلا كيف ستبيع للفنان ذاته لوحة مختلفة كل مرة وتكون فيها تجربته مغايرة لما هو معروف عنه سابقاً.
نحن هنا لسنا خاضعين لذات الشرط، حيث لا متاحف ولا غاليري بالمعنى الكبير للكلمة ولا سوق فنية، حيث لا زلنا كما الفلاح الذي يحاول أن يبني منزلاً في الريف فهو لا يحسب حساب الطرقات أو أي شيء بل يبني بحرية كاملة، ويحقق شروط البناء ذاته...
وأنا برأيي الفنان يجب أن يكون كذلك، فأنا منذ طفولتي لم يشتر أحد لي علبة ألوان أو أقمشة للرسم باستثناء عائلتي التي كانت لديها الرغبة أن أسير بتقديم موهبتي، وهذا منحني الحرية الكاملة للتعامل مع أدواتي ولوحتي ومفاهيمي للتشكيل.
وعلاقة ميرو مع هذا العمل مثل طموح أن أبني ضريحاً للمتنبي، وهذا يتطلب كمية من المال لا أملكها اليوم وأن أشتري بقعة أرض وأبني عمارة معينة بهندسة تكون ضريحاً للشاعر الكبير.
  • في معرضك السابق والحالي أيضاً.. تفكك المعرض ولا تبقى أمثال هذه المعارض سوى في الذاكرة والصور الفوتوغرافية ألا تعتقد أنك بذلك تقترب من حدود العبث بالفن؟!
إطلاقاً ليس عبثاً، يجب أن أوضح.. هناك حاملان موجودان في الفن التشكيلي هما: اللوحة والمنحوتة، التنصيب، حامل ثالث قادر اليوم أن يترك فرصاً كبيرة للتعبير التشكيلي وحرية واسعة جداً لتنعش الفنان.
وأنا أدعو لهذا العمل بهذا الاتجاه، لأنه على الأقل لم يستهلك هذا النوع من الحوامل، فيما اللوحة والتمثال استهلكا تماماً.
كثيرون من النقاد التشكيليين والفنانين تحدثوا أن الفن وصل إلى نهاية الدرب بعد التجريدية وصولاً إلى اللوحة الفارغة التي كان يقف الواحد أمامها بنوع من الفذلكة الذهنية ليقول: يا إلهي كم هو مليء هذا الفراغ بالأسئلة!!
إذن النقطة الحساسة أن الفنانين العرب سيجدون بالحامل الثالث فرصاً جديدة للعمل بأدوات ومواد جديدة قادرين من خلالها على التخلص من شركات الألوان ومن المواد المصنعة في الخارج لصالح أدوات محلية.
مثلاً أنا في عملين لي في بينالي القاهرة وهما شاهدتا قبر لسعد الله ونوس وأدونيس صنعتهما من ورق وجص وكلس بلدي مخلوط بالتبن وتراب من بلدتي يعفور وقدسيا وحصلت على نتيجة تشكيلية ذات أهمية ولاقت الإعجاب.
أعني بكل ما قلته أننا يمكن أن نتخلص من الشروط والقوانين التي أخذت طابع البديهيات في حياتنا لمصلحة شروط وقوانين يجب ابتكارها.
أسرد لك من باب الطرافة ما جرى معي في هذا المعرض.
قال أخي: لوحات ضخمة وأوضاع عجيبة.. لن يباع هذا المعرض (شو رأيك). أن أضعهم في النادي! في بانياس.
أجبت: فكرت بهذا الشيء.
فقال: معناها إنشاء لله لا يباع ولا عمل؟!!
أعود للقول: في العمل التشكيلي دائماً يوجد إحساس بالعبث وهو ناتج عن نقطتين أساسيتين أولاً: ينتج من قبل شخص واحد.
ثانياً: من كونه لا يشكل إلا صورة وحتى استخداماته الوظيفية خاضعة لمجموعة من الشروط ترمي فيه دائماً بمفاهيم عبثية، وهذه الهشاشة هي من القوة بحيث أنه على الأقل كل الأصدقاء الذين زاروا المعرض وجدوا أنفسهم يتحدثون همساً حتى أكثرهم "زعرنة" هذه الحوادث الصغيرة هي التي تشكل قوة - هشاشة الرسم وبالتالي قوة - هشاشة الفن.
نقطة أخرى، حاولت في هذا المعرض وصل مجموعة فنون مع بعضها إذ اكتشفت أن الجمهور لديه رغبة للطقس وأن يعيش داخله، اكتشفت ذلك في معرض 93 وطبقته في ميرو حين لبس الناس ما وضعته لهم.
بإطار تحيتي لسعد الله ونوس حاولت الإجابة على رغبة عميقة لديه وهي أن يشارك الجمهور بالعرض، لكن بقي الناس يجلسون على المقاعد، وبقيت الخشبة ممنوعة.
أنا حققت خشبة سيدخل إليها الناس ويكونون هم أداة العرض.
لولا الخوف من بعض الاعتبارات لوضعت لواقط صوت تنقل أراء الحضور بما يشاهدون لا شكل اللوحة الحقيقية الموجودة في ذهني.
من جانب آخر، هناك عناصر كانت ضرورية لإثارة مزيد من الأسئلة. مثلاً استخدام حوض من الماء الأسود الذي ينقل انعكاس عمودي للوحات، أحياناً متحرك وأحياناً غير متحرك ويوحي بوجود هوة سحيقة في قاع المكان.
واستخدام الزجاج... أنا أستخدمه بحالتين: مرة فوق العمل بحيث الصورة رغم تطابقها مع الأصل إلا أن الفاصل الصغير10سم يجعلنا لا نرى إلا مجموعة من الحقائق كل منها خاضع لثبات أعيينا وثبات الحركة.
ومن جهة ثانية هناك زجاج مرسوم عليه وعلاقته مع ظله هي علاقة مشابهة بالأول مثل نوع أو رغبة بإثارة أسئلة فلسفية حول اللوحة نفسها وقيمة التشكيل وحول قيمه الآليات التي يستخدمها الفنان لرسم نفسه والواقع.
خالد مجر
بطاقة:
-       مواليد 1958 مصمم ومصور.
-       خريج كلية الفنون الجميلة قسم الاتصالات البصرية 1981-دمشق.
-       خريج المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية 1987-باريس.
-       دكتور مدرس في كلية الفنون الجميلة –دمشق 1989-1996.
-   أقام 9معارض شخصية بدأت عام 1988 في صالة أورنينا وإنتهاء برسومات كتاب رأس المملوك جابر – اليونسكو –باريس -1996.
-       وشارك في خمس معارض جماعية.
-       له مساهمات نقدية عديدة في حوارات وأبحاث.